كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 2)

مِنَ الْمِئِينَ) أَيْ مِنْ ذَوَاتِ مِائَةِ آيَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوَّلُ الْقُرْآنِ السَّبْعُ الطُّوَالُ ثُمَّ ذَوَاتِ الْمِئِينَ أَيْ ذَوَاتِ مِائَةِ آيَةٍ ثُمَّ الْمَثَانِي ثُمَّ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى (إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي) أَيْ مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي وَهِيَ السَّبْعُ الطُّوَالُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَثَانِي مِنَ الْقُرْآنِ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنَ الْمِئِينَ وَيُسَمَّى جَمِيعُ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ لِاقْتِرَانِ آيَةِ الرَّحْمَةِ بِآيَةِ الْعَذَابِ وَتُسَمَّى الْفَاتِحَةُ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ أَوْ ثُنِّيَتْ فِي النُّزُولِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَثَانِي السُّوَرُ الَّتِي تَقْصُرُ عَنِ الْمِئِينَ وَتَزِيدُ عن المفصل كأن المئين جعلت مبادىء وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِيَ
انْتَهَى (فَجَعَلْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ (وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ تَوْجِيهُ السُّؤَالِ أَنَّ الْأَنْفَالَ لَيْسَ مِنَ السَّبْعِ الطُّوَالِ لِقِصَرِهَا عَنِ الْمِئِينَ لِأَنَّهَا سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةٍ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَرَاءَةَ
(كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا تَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتِ الْعَدَدِ (فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ) الْوَحْيَ كَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِ (وفي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا) كَقِصَّةِ هُودٍ وَحِكَايَةِ يُونُسَ (وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَيْضًا وَبَيْنَهُمَا النِّسْبَةُ التَّرْتِيبِيَّةُ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَكَانَ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ رَوْقٍ وَأَبُو يعلى عن مجاهد وبن أبي حاتم عن سفيان وبن لَهِيعَةَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَةَ مِنَ الْأَنْفَالِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةَ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِبَاهِ طُرُقِهِمَا
وَرَدَ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مُسْتَقِلٍّ
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ إِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا لأن جبريل عليه السلام لم ينزلبها فيها وعن بن عَبَّاسٍ لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةَ فِي بَرَاءَةَ لِأَنَّهَا أَمَانٌ وَبَرَاءَةٌ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ
وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَتْ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا وَقِيلَ إنها ثابتة أولها في مصحف بن مَسْعُودٍ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ (وَكَانَتْ قِصَّتُهَا) أَيْ بَرَاءَةَ (شَبِيهَةٌ بِقِصَّتِهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَهَذَا وَجْهٌ آخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَلَعَلَّ الْمُشَابَهَةَ فِي قَضِيَّةِ الْمُقَاتَلَةِ بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ قاتلوهم يعذبهم الله وَنَحْوَهُ وَفِي نَبْذِ الْعَهْدِ بِقَوْلِهِ

الصفحة 351