كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 2)

الْمُعَارِضُ رَاجِحًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ هَذَا الظَّاهِرَ حَدِيثُ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ وَلَا يُعَارِضُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الِاحْتِلَامَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَتَفْسِيرُهُ بِالْبَالِغِ مَجَازٌ لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة الماسة عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّ الِاحْتِلَامَ إِذَا كَانَ مَعَهُ الْإِنْزَالُ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ سَوَاءٌ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا
ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ
قَالَ المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

[342] (رَوَاحُ الْجُمُعَةِ) الرَّوَاحُ ضِدُّ الصَّبَاحِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى اللَّيْلِ كَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ لَكِنْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَنَقَلَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ رَاحَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِمَعْنَى ذَهَبَ قَالَ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَنَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبَيْنِ نَحْوَهُ (وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ الْجُمُعَةَ الْغُسْلُ) الْغُسْلُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ الْجُمُعَةَ خَبَرُهُ
وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ مِنْهُ الْبَعْضُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا بَالِغِينَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (إِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَجْنَبَ) وَأَمَّا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا لِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا فَمَنِ اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ اغتسل قبل مجيء الوقت
قال بن الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ يُجْزِئُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ
وقال بن بطال رويناه عن بن عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يَجْزِيَهُ
وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يَجْزِيهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَنْوِيَهَا وهو قول مالك في المدونة وذكره بن عبد الحكم
وذكر بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجَنَابَةِ اغْتَسَلَ للجمعة
قاله العيني في عمدة القارىء

الصفحة 5