كتاب تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة (اسم الجزء: 2)

وما قصة سعد رضي الله عنه - في نزول المهاجرين على إخوانهم الأنصار وقوله: "دلونى على السوق" - من أحدٍ ببعيد. ولم يزل المحدثون والفقهاء وغيرهم يباشرون هذه المهن والتجارات، فنجد منهم: البزاز، والبزار، واللحام، والحداد، والصيرفي، والقفال، والطيالسى، والعطار، والجمَّال، والصواف، والفَرَّاء، والقواريرى، والنقاش، والقنَّاد، والكمال، والنبال، والنحاس، والنخاس، والورَّاق، والوزَّان والسراج ... إلخ. ومن آثارهم في ذلك قولى أبي قلابة لأيوب السختياني - رحمهما الله -: "الزم السوق، فإن الغنى من العافية". وفي رواية: "فإن أعظم العافية الغنى عن الناس". وفي رواية: "كان أبو قلابة يحثنى على السوق والضيعة والطلب من فضل الله - عَزَّ وَجَلَّ - وكان محمد (يعنى ابن سيرين) يحثنى على التزويج".
وعن إسحاق بن يسار (والد محمد بن إسحاق رحمهما الله) أنَّه كان يمر بالبزازين، فيقول: "الزموا تجارتكم، فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازًا". وقال أبو بكر المروزي: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد الله (يعنى الإِمام أحمد رحمه الله): إني في كفاية، فقال: "الزم السوق تصل به الرحم وتعود به". وقال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قد أمرتهم - يعنى ولده - أن يختلفوا إلى السوق، وأن يتعرضوا للتجارة. وقال: قد روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه" (¬41). وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله يأمر بالسوق، ويقول: "ما أحسن الاستغناء عن الناس". انظر "الحث على التجارة والصناعة والعمل" للحافظ أبي بكر الخلال الحنبلي رحمه الله (ص 25: ص 29). وقد تعمدت إيراد ما فيه الحث على لزوم السوق خاصة، من أجل هذا الحديث المنكر. والله أعلم.
¬__________
(¬41) الحديث صحيح، انظر "صحيح الجامع" (1566) و"الإِرواء" (1626)، فالإمام أحمد لم يقصد تضعيفه بقوله: "روى"، كيف وهو يستدل به لكلامه؟ .

الصفحة 164