كتاب بحوث وتحقيقات عبد العزيز الميمني (اسم الجزء: 2)
الرد. وذلك أن تقول [كذا] لقائل أكلت تمرًا؟ فتقول كلا أي إني لم آكله. فقولك كلا مبني على خبر قد ذكره غيرك ونفيته أنت، قال الله عَزَّ وَجَلَّ في قصة من قال (¬1) [مريم 80، 81] {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا} أي إنه لم يطلع ولم يتخذ العهد. وأصوب ما يقال في ذلك أن كلا رد للمعنيين جميعًا. وذلك أن الكافر أدى [؟ ادعى] أمرًا فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهدًا أم اطلع الغيب. كلا أي لا يكون ذا ولا ذاك.
وأما قوله تعالى [مريم 81]: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا} فكلا رد لما قبله وإثبات لما بعده؛ لأنهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزا. وذلك لقولهم [الزمر 3] {مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. قيل لهم كلا أي ليس الأمر كما تقولون ثم جيء بعد بخبر وأكد بكلا وهو قوله {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ}.
وأما قوله في سورة المؤمنين [102]: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ, كَلَّا}، فلها مواضع ثلاثة، أولها: لقوله ارجعون. فقيل له كلا أي لا ترد (¬2). والثاني قوله تعالى اعمل صالحًا، فقيل له كلا، أي لست ممن يعمل صالحًا وهو لقوله [الأنعام 28]: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} والموضع الثالث تحقيق لقوله إنها كلمة هو قائلها. وأما قوله في [الشعراء 13]: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَال كَلَّا} فهو رد في حالة وردع في أخرى. فأما إمكان [؟ مكان] الشرح فقوله أخاف أن يقتلون فقيل له كلا أي لا تخف هذا ردع. وأما الرد فقوله أن يقتلون فقيل له لا يقتلونك فنفى أن يقتلوه (¬3) وأعلم أنهم لا يصلون إلى ذلك. وأما قوله في هذه السورة [الشعراء 61]: {قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَال كَلَّا}. فهو نفى لما قبله وإثبات لما بعده. وأما قوله في [سبأ 27]: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا}، فلها ثلاثة مواضع: أحدها أن تكون ردًّا على قوله أروني أي أنهم لا يرون ذلك وكيف يرون شيئًا لا يكون. والموضع الثاني قوله ألحقتم به شركاء فهو رد له أي
¬__________
(¬1) هو العاص بن وائل السهمي كما في رواية الصحيحين وأحمد وفي السيرة بهامش الروض أيضًا 224: 1.
(¬2) في الأصل "لا يرد".
(¬3) في الأصل "أن يقتلون" وله وجه.