كتاب الرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف (اسم الجزء: 2)
ما أَنْتِ؟ فقالت: أنا الجَسَّاسَةُ؟ قالوا: وما الجسَّاسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدَّيْر، فإنه إلى خَبَرِكم بالأشواق، قال: لما سَمَّتْ لنا رجلًا فَرقنْا مِنْها أَن تكون شَيْطَانَةً، قال: فانطلقنا سِرَاعًا حتى دخَلنا الدَّيْرَ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قَطُّ خَلْقًا، وأشده وثاقًا، مَجْموعَةٌ يَداهُ إلى عُنُقِه ما بين رُكْبَتَيْه إلى كَعْبَيْهِ بالحديد، قلنا: وَيْلَكَ، من أنْتَ؟ قال: قد قَدَرْتُم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أُناسٌ من العرب ركبنا في سَفِينَةٍ بَحْريَّة، فَصَادَفْنَا البحر حين اغْتَلَمَ، فلعب بنا المَوْجُ شهرًا، ثم أَرْفَأْنا إلى جَزِيرَتِكَ هذه، فجلسنا (¬1) في أَقْرُبها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دَابَّة أهلبُ كثيرُ الشَّعر، لا يُدْرى ما قُبُلُه من دُبُره من كثرة الشعر، فقلنا: وَيْلَكِ ما أَنْتِ؟ فقالت: أَنا الجَسَّاسَةُ، قلنا: وما الجَسَّاسَةُ؟ فقالت: اعْمِدوا إِلى هذا الرجل الذي في الدَّيْرِ، فهو إلى خبركم بالأشْواقِ، فأقبلنا إليك سِراعًا وفَزعْنا منها، ولم نأمن أن تكون شَيْطَانَةً، فقال: أخبروني عن نَخْل بَيْسَانَ، قلنا: عن أي شَأْنِها تَسْتَخْبِر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم قال: أما إنَّه يُوشِكُ أن لا تُثمر، قال: أخبروني عن بُحَيْرَةِ الطَّبَريَّة، قلنا: عن أي شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل فيها مَاءٌ؟ قالوا: هي كثيرةُ الماءِ، قال: أما إنَّ ماءَها يوشِكُ أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زُغَرَ قالوا: عن أي شأنها تَسْتَخْبِرُ؟ قال: هل في العين ماءٌ، وهل يَزْرَعُ أهلُها بماءِ الْعَيْن؟ قلنا له: نعم هي كثيرةُ الماءِ، وأهلها يزرعون من مائِها، قال: أخبروني عن نَبيِّ الأُمِّيينَ ما فَعَلَ؟ قالوا: قد خَرَجَ من مكَة، ونزل يَثْرِبَ، قال: أقاتَلَتْهُ الْعَرَبُ؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنعَ بهم، فأخبرناهُ أَنَّه قد ظهر على من يَلِيهِ من العَرَب وأطاعوه، قال لهم: وقد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إِنَّ ذلِكَ خيرٌ لهم أن يُطِيعُوهُ، وإنِّي مُخْبرُكم عَنِّي، أنا المسيحُ، وإنِّي أُوْشِكُ أن يُؤْذَنَ لي في الخُروجِ، فَأَخْرُجَ، فأَسِيرَ في الأرض، فلا أَدَع قَرْيَةً إِلَّا هبطتُها في أربعين
¬__________
(¬1) في الأصل: فركبنا، وما أثبتناه من صحيح مسلم.