كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

وَفَاته فِي خَامِس عشر ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة
سعودي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْغَزِّي العامري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي مفتي الشَّافِعِيَّة بِدِمَشْق وَابْن مفتيها وَابْن ابْن مفتيها رُؤَسَاء الْعلم بِالشَّام وكبراؤه وشهرة بَيتهمْ لَا تحْتَاج إِلَى بَيَان وَكَانَ سعودي هَذَا فَاضلا وجيهاً رَقِيق الطَّبْع متساوي الْأَطْرَاف أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث عَن جده لأمه الشهَاب أَحْمد العيثاوي الْمُقدم ذكره وَعَن وَالِده النَّجْم وسافر فِي خدمته إِلَى الْحَج فِي سنة أَربع عشرَة بعد الْألف وَإِلَى الرّوم فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَلما حج وَالِده فِي سنة سبع وَأَرْبَعين أَقَامَهُ مقَامه فِي خدمَة فَتْوَى الشَّافِعِيَّة فباشرها وَظَهَرت كِفَايَته وحمدت سيرته ثمَّ مَاتَ أَبوهُ فِي سنة سِتِّينَ فاستقل بهَا وَأعْطى عَنهُ الْمدرسَة الشامية البرانية ودرس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر من جَامع بني أُميَّة وابتدأ من مَحل انْتهى إِلَيْهِ درس وَالِده فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ وقف فِي آخر درس قَرَأَهُ على بَاب الْبكاء على الْمَيِّت وَاسْتمرّ مُدَّة يُفْتِي ويدرس وَله الْقبُول التَّام والتقدم بَين أَبنَاء نَوعه وَكَانَ حسن المطارحة وَالْأَدب وينسب إِلَيْهِ من الشّعْر شَيْء قَلِيل فَمن ذَلِك مَا رَأَيْته مَنْسُوبا إِلَيْهِ فِي بعض المجاميع وَلَا أتحققه وَذَلِكَ قَوْله فِي صَاحب لَهُ
(لي صَاحب فِي نَقله مَا حكى ... للكذب عَن آبَائِهِ وَارِث)

(فَكل مَا يَنْقُلهُ مثل مَا ... قَالَ الحريري حكى الْحَارِث)
وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي أواسط ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة آبَائِهِ بتربة الشَّيْخ أرسلان قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز
سعيد بن عبد الرَّحْمَن بابقي الْحَضْرَمِيّ القيدوني بَلَدا الدوعني جِهَة الشَّيْبَانِيّ نسبا ثمَّ الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الإِمَام الرباني والعارف الصمداني كَانَ من العارفين بِاللَّه تَعَالَى الواقفين مَعَ الْكتاب وَالسّنة وَكَانَ يتَكَلَّم عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة بِمَا يبهر الْأَلْبَاب وَيحل مشكلات الْمُحَقِّقين على الْوَجْه الصَّوَاب مَعَ كَثْرَة الْعِبَادَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ والتوجه إِلَى الله تَعَالَى فِي سره وعلانيته ولد كَمَا أخبر هُوَ بِهِ بعض تلامذته يَوْم الْجُمُعَة عَاشر الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بِالْعلمِ على كثيرين من الحضارمة واليمنيين وساح مُدَّة مديدة فِي الْيمن وَدخل الْهِنْد وجال فِي بِلَاده ثمَّ رَجَعَ إِلَى عدن ورحل مِنْهَا إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأقَام بِمَكَّة وَأخذ بهَا عَن الْأُسْتَاذ
الْأَيَّام وَهُوَ فِي قَمِيص أَزْرَق اللَّوْن وَوَجهه يتلألأ كَالْقَمَرِ فَأَنْشد وَلَده النَّاصِر فِي الْحَال
(أَبَد ربداً فِي لون زرقاء أَخْضَر ... تضوّع من طيبين مسك وَعَنْبَر)

(قد انتعل الْجَوْز مجداً ورفعة ... كَمَا أَنه للجود وَالْحَمْد مُشْتَرِي)

(بني عرشة فَوق السماك علومه ... سرى هديها فِي كل واع ومبصر)

(ويملي لنا من كل فنّ دقائقاً ... يضن بهَا عَن أَن تبَاع بجوهر)

(فَللَّه من قَامُوس علم وبحره ... مُحِيط بأنباء صِحَاح لجوهري)

(وَعلم حَدِيث والأصولين أَنَّهَا ... لمن بعض مَا يملي ويقري وأيسر)

(حقيق بِمَا قد قَالَه خير نَاظر ... خَبِير بأرباب المكارم أشهر)

(فَمَا خلقت إِلَّا لطرس أكفه ... وأقدامه إِلَّا لسرج ومنبر)
وَله من الْفَضَائِل والفواضل وَالتَّحْقِيق فِي الْعُلُوم ولطائف النّظم والنثر مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحصْر وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس سلح شهر ربيع الأول سنة سبع وَسبعين وَألف وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ عَالم كثير من جَمِيع الْجِهَات وقبره بالإشغاف من عمل الشجعة مَشْهُور ورثاء عُلَمَاء الْعَصْر بمراث بليغة كَثِيرَة مِنْهَا قَول السَّيِّد جمال الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح بن الْهَادِي الوشلي قصيدة مِنْهَا
(الله أكبر كل خطب هَين ... الْأَعْلَى عبد الحفيظ فيكبر)

(حبر الْأَنَام وَحجَّة الْإِسْلَام أَن ... أَمر عرى وَالْعَاقِب المتبصر)

(أعْطى الْجِهَاد حُقُوقه وسمت بِهِ ... للِاجْتِهَاد عوارف لَا تنكر)
وَمِنْهُم الْعَلامَة عَليّ بن مُحَمَّد بن سَلامَة عَالم صنعاء رثاه بقصيدة مطْلعهَا
(مادت جبال بالتهائم والشرف ... وذوت غصون للفضائل والشرف)

(وتضعضعت أَرْكَان مجد شامخ ... للفضل فِي الْعلم الشريف لمن عرف)
ورثاء السَّيِّد يحيى بن أَحْمد الشَّرّ فِي نظما ونثرا من ذَلِك قَوْله أول قصيدة
(قَضَاء لَا يرد وَلَا يعاب ... وَحكم من مدبره صَوَاب)
ورثاه القَاضِي حفظ الله بن مُحَمَّد بن سُهَيْل
(هَل قد دحي الْبَحْر الْمُحِيط نضوبه ... أم ذِي الْجبَال الراسيات تسير)

(أوآن مِنْهَا كسفا أم دكت ... الأرضون أَن هذي السما تتفظر)

(أم مَاتَ ذُو الْفضل الشهير وَمن لَهُ ... بَين الْخَلَائق مفخر لَا يُنكر)

(عبد الحفيظ الْعَالم الْعَلامَة النّدب ... الذكي الْعَارِف المتجر)

الصفحة 309