كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

(فَقَالَ خُذ مَا بَقِي بكاسي ... سؤراً وَأحسن بِذَاكَ سؤرا)

(فَعِنْدَ مَا جادلي بِمَا فِي ... أَوَاخِر الكاس مت سكرا)
هَذَا مَا قرأته بِخَطِّهِ وَمن معمياته العويصة قَوْله فِي سليم وعَلى مَعَ اخْتِلَاف الْأَعْمَال
(وَرْقَاء قلبِي قد أضحت مرفرفة ... على قوامك يَا من طرفه عجمي)

(وَأَنَّهَا هَبَطت مِنْهُ على غُصْن ... فغض طرفك وارسله إِلَى الْقدَم)
أرادها من أَنَّهَا بِعَمَل التَّحْلِيل وَهِي بِسِتَّة وبالعجمية شش فَإِذا هَبَطت صَارَت سينا والغصن الْألف وَهِي يَك وَلها اللَّام بِالْعدَدِ الحسابي من أبجد وغض مرادفه كف وَهِي بِمِائَة فَإِذا هَبَطت لَهَا الْيَاء وَالْمِيم من الْغَايَة وَأما طَريقَة اسْتِخْرَاج على فَإِنَّهُ أَرَادَ قلت وَقد أَكثر فِي أشعاره من المعميات وَكَانَ شَدِيد الاعتناء بِهَذَا النَّوْع جدا وَهَذَا من الْأَنْوَاع اللطيفة المسلك وَقد أدرجه بعض الْمُتَأَخِّرين فِي فنون البديع وعدّه من المحسنات وَاعْترض بِأَن مُلَاحظَة المحسن إِنَّمَا هِيَ بعد رِعَايَة الفصاحة البلاغة والبلاغة مَشْرُوطَة بِعَدَمِ التعقيد لفظا وَمعنى وَكِلَاهُمَا وجود فِي المعمى فَهُوَ خَارج عَنهُ وَقد يُجَاب بِأَن محققي هَذَا الْفَنّ شرطُوا لصِحَّته وجود الْمَعْنى الشعري فِيهِ وَإِذا لم يكن مَوْجُودا فَلَيْسَ بمعتد بِهِ فَعَلَيهِ يكون دَاخِلا فِي المحسنات قطعا وَإِن كَانَ بعض مُتَقَدِّمي علمائه لم يشْتَرط ذَلِك لصِحَّته وَهُوَ مِمَّا لَا اعْتِدَاد بِهِ وَمن غَرِيب مَا وَقع لي مَعَ بعض أدباء الرّوم وَقد ذكر المعمى فَقَالَ أَبنَاء الْعَرَب لَا يعْرفُونَ المعمى فأوردت لَهُ أَشْيَاء مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فاعترف بِأَن الْمُتَأَخِّرين مَشوا على نهج الْأَعَاجِم والأروام فِيهِ لِكَثْرَة اختلاطهم بهم وَأما المتقدمون فَلَا يعرفونه فأخرجت لَهُ دفتراً من جمعياتي نقلت فِيهِ عَن ابْن قُتَيْبَة اللّغَوِيّ قَالَ إِن هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة وَهِي الأحاجي واللغز والمعميات من خَصَائِص الْعَرَب وكل من نظم فِيهَا من أَبنَاء فَارس وَأَبْنَاء الرّوم إِنَّمَا أَخذ ذَلِك عَنْهُم وتطفل على موائدهم وَانْظُر إِلَى تَسْمِيَة هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة هَل هِيَ عَرَبِيَّة أَو فارسية فالمعمى من التعمية وَهِي التغطية والأحجية من الحجا وَهُوَ الْعقل كَأَنَّهُ يختبر فِيهَا الْعقل واللغز الْإخْفَاء انْتهى مَا قَالَه وَلَكِن مَعَ هَذَا فَالْحق أَحَق أَن يتبع أَن تطفل الْفرس وَالروم وعَلى الْعَرَب فِي هَذِه الْأُمُور وَإِن كَانَ وَاقعا لكِنهمْ لجودة أفكارهم تصرّفوا فِيهِ تصرّف الْملاك فاستحقوا أَن يوصفوا بالتفرد بِهِ وَلَقَد وقفت فِي الرّوم على رِسَالَة للسَّيِّد شرِيف

الصفحة 392