كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن أبي الْفِدَاء المكتبي الشَّاعِر من أَجود شعره قَوْله
(أَنا الْمقل وحبي ... إذاب قلبِي ولوعه)

(أبْكِي عَلَيْهِ بجهدي ... حسب الْمقل دُمُوعه)

عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن فرج الشَّافِعِي خطيب جدة وعالمها والمقدم فِيهَا بالعلوم الشَّرْعِيَّة والأخلاق النَّبَوِيَّة ولد بجدة وَبهَا نَشأ وَأخذ بِمَكَّة عَن شيخ الْإِسْلَام الشهَاب أَحْمد بن حجر الهيثمي وَغَيره من عُلَمَاء عصره وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن مُحَمَّد الخلي وَله مؤلفات مِنْهَا السِّلَاح وَالْعدة فِي فضل ثغر جدة وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم السبت سَابِع شهر رَمَضَان سنة عشر بعد الْألف بجدة وَبهَا دَفنه رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الصُّوفِي القادري صدر أَشْيَاخ الشَّام وَصَاحب الْقدَم الراسخة فِي المعارف والكمالات وَكَانَ كَبِير الْقدر سامي الرُّتْبَة جم المناقب حسن الْخلق طليق الْوَجْه مفرط السخاء والتودد نَشأ فِي حجر وَالِده إِلَى أَن بلغ من الْعُمر اثْنَتَيْ عشر سنة فَمَاتَ أَبوهُ وَجلسَ مَكَانَهُ على سجادة المشيخة فِي يَوْم مَوته وَكَانَ لِأَبِيهِ خَليفَة وَهُوَ الشَّيْخ مُحَمَّد المرزناتي الصَّالِحِي فَطلب الْخلَافَة لنَفسِهِ وتعصب مَعَه قوم مِنْهُم الشَّمْس بن المنقار وَكَانَ جدي القَاضِي محب الدّين مِمَّن قَامَ مَعَ عبد الْقَادِر واهتم بأَمْره وَوَقع بِسَبَب ذَلِك أُمُور ومحاربات كَثِيرَة وَمن جُمْلَتهَا فِي المحاورات الخطابية مَا أنْشدهُ الشَّمْس الذُّكُور فِي مجمع حافل بزاويتهم القلجية وَأَرَادَ بذلك الإزراء بالجد وَعبد الْقَادِر وَذَلِكَ الْبَيْت الْمَشْهُور
(شَيْئَانِ عجيبان هما أبرد من يخ ... شيخ يتصابى وَصبي يتشايخ)
فَأَجَابَهُ الْجد وَكَانَ أَصْغَر مِنْهُ سنا وأكبر مرتبَة بقوله تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} وَأنْشد معرضًا بِهِ وبالمرزناتي الْمَذْكُور
(لَو كَانَ كبر السن محمودة ... فضل إِبْلِيس على آدم)
واستمرت هَذِه الشّحْنَة بَين الْجد وَالشَّمْس أَيَّامًا حَتَّى اجْتمعَا يَوْمًا فِي مجْلِس الدُّعَاء للسُّلْطَان بالجامع الْأمَوِي وَكَانَا قبل ذَلِك الْيَوْم إِذا حضرا مَجْلِسا مثل هَذَا يجلس قَاضِي الْبَلَد وَيجْلس وَاحِد مِنْهُمَا عَن الْيَمين وَالْآخر عَن الشمَال فَفِي ذَلِك الْيَوْم جَاءَ الْجد إِلَى الطّرف الَّذِي فِيهِ الشَّمْس وَجلسَ بَينه وَبَين القَاضِي فَلَمَّا تمّ الدُّعَاء قَامَ الشَّمْس مغضبا ونادى بِأَعْلَى صَوته أتجلس فَوقِي وَأَنا مفتي الْبَلدة من مُنْذُ كَذَا

الصفحة 435