كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

فَأَجَابَهُ الْجد كل هَؤُلَاءِ يعلمُونَ أَن الْمُفْتِي بِالْأَمر السلطاني أَنا وَأما أَنْت فلك أُسْوَة بِمن يُفْتِي مثلك من غير إِذن فرتبة الرحجاني لي فَكل من حضر صدق قَوْله وَكَانَ الْجَمِيع يَغُضُّونَ من الشَّمْس ويكرهونه لسوء أخلاقه فَيُقَال أَنه ذهب من ذَلِك الْمجْلس محموما وَبَقِي أَيَّامًا وَمَات عودا على بَدْء واستقام الْأَمر لعبد الْقَادِر صَاحب التَّرْجَمَة فِي الْخلَافَة فسلك مَنْهَج وَالِده من إِقَامَة الذّكر بالجامع الْأمَوِي بعد صَلَاة الْجُمُعَة عِنْد بَاب الخطابة وبزاويتهم يَوْم الِاثْنَيْنِ بعد الْعَصْر وَمَا زَالَ يسمو ويرتفع حَتَّى بلغت شهرته الْآفَاق وَكَانَ حكام الشَّام وكبراؤها يقبلُونَ عَلَيْهِ ويترددون إِلَيْهِ وَيطْلبُونَ مدده وَتوجه إِلَى الْقُدس على عَادَة صوفية الشَّام بحشمة وافرة وَحج فِي سنة خمس عشرَة وَألف وسافر إِلَى قسطنطينية أَربع مَرَّات وانحصرت آخرا فِيهِ رياسة الْمَشَايِخ بِدِمَشْق وَكَانَ أَكْثَرهم حَالا وَقَالا وَبلغ من نُفُوذ الْكَلِمَة وشهرة الاعتناء مرتبَة علمية وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَاتِمَة أولى النباهة من الرؤساء وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْخَمِيس سادس جُمَادَى الأولى سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بزاويتهم إِلَى جَانب وَالِده ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الْعَلامَة إِسْمَاعِيل بن عبد الْغَنِيّ الْمُقدم ذكره وَهَذِه أبياته
(شيخ شُيُوخ الشَّام يَا مرشد ... من جنَّة الْخلد لَك المرقد)

(من للمريدين وَمن يلتجي ... إِلَيْهِ فِي الْمُشكل أَو ينجد)

(من للمهماة إِذا أعضلت ... وللمساكين إِذا أجهدوا)

(من لعيال وَالِد ماجد ... مَعَ أمّهم فِي سَاعَة يفقد)

(أَواه من عظم مصاب بهم ... وَمثل هَذَا الْخطب مَا يعْهَد)

(يَا حَاتِم الطَّبْع والمنتمى ... جودك بالموجود لَا يجْحَد)

(وحلمك الْمَعْرُوف مَا مثله ... قد كَانَ فِي الدَّهْر وَلَا يُوجد)

(من عَام خمس كنت شَيخا لَهُ ... سجادة ديدنه يرشد)

(طلق الْمحيا هاضما نَفسه ... وَتارَة يرْكَع أَو يسْجد)

(يَا شامة الشَّام وَيَا قطبها ... قد طَابَ مِنْك السِّرّ والمشهد)

(أودعك الْأَسْرَار كَهْف الورى ... والدك السَّامِي الذرى أَحْمد)

(وَأَنت أودعت الَّذِي حُزْته ... للخلف الصَّالح كي يسْعد)

(بهم تسلينا وَمن بعده ... مثلهم يُوجد لَا يفقد)

الصفحة 436