كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

صَاحِبَاه دُخُوله فَنَهَاهُمَا عبيد فأبيا إِلَّا دُخُوله فَلَمَّا دخلا رَأيا فِيهِ رجلا يتنور أَي يسْتَعْمل النورة فسألا عَنْهَا فأخبرا بإذهابها الشّعْر فاستعملاها فَلم يحسنا فأحرقتهما وأضرت بهما فَقَالَ عبيد
(لعمري لقد حذرت قرطا وجاره ... وَلَا ينفع التحذير من لَيْسَ يحذر)

(نهيتهما عَن نورة أحرقتهما ... وحمام سوء ناره تتسعر)

(فَمَا مِنْهُمَا إِلَّا أَتَانِي موقعاً ... بِهِ أثر من مَسهَا يتقسر)

(أجدكما لم تعلما أَن جارنا ... أَبَا الحسل بِالْبَيْدَاءِ لَا يتنور)

(وَلم تعلما حمامنا فِي بِلَادنَا ... إِذا جعل الحرباء فِي الحدل يحضر)
والنورة قيل إِنَّهَا لَيست عَرَبِيَّة فِي الأَصْل واشتقاقها يشابه اشتقاق الْعَرَبِيّ فَزعم قوم أَنَّهَا سميت بذلك لِأَن أول من عَملهَا امْرَأَة يُقَال لَهَا نورة وَقد استعملتها الْعَرَب فِي الشّعْر الْقَدِيم قَالَ الراجز
(يَا رب إِن كَانَ بَنو عميره ... رَهْط الثلب هَؤُلَاءِ مقصوره)

(قد أَجمعُوا الخلعة مشهوره ... واجتمعوا كَأَنَّهُمْ قاروره)

(فَابْعَثْ عَلَيْهِم سنة قاشوره ... تحتلق المَال احتلاق النوره)
انْتهى وَقد تفحصت عَن وَفَاة الطوري كثيرا فَلم أظفر بهَا سوى أَنِّي رَأَيْت فِي مَجْمُوع بِخَط بعض الأفاضل الأدباء وَكَانَ مِمَّن قَرَأَ على الطوري أَنه كَانَ مَوْجُودا فِي سنة سِتّ وَعشْرين ألف
عبد الْقَادِر بن عَليّ بن يُوسُف بن مُحَمَّد أَبُو السُّعُود بن أبي الْحسن بن أبي المحاسن المغربي الفاسي الْمَالِكِي الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث الْمُفَسّر الصُّوفِي البارع فِي جَمِيع الْعُلُوم جَمِيع من انتسب إِلَى الْمغرب متفقون على جلالته وتوحده وَإنَّهُ عديم النظير وأوحد الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء وَشَيخ الشُّيُوخ وسلطان عُلَمَاء الزَّمَان وَقد كَانَ جَامعا بَين الْعلم الظَّاهِر وَالْبَاطِن اشْتهر ذكره من حَال صغره وَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ وَبعد صيته فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ بِحَيْثُ أَن تلامذته لَا يُحصونَ وَلم يحرم أحد مِنْهُم من الْعلم السِّرّ فِيهِ وَفِي آبَائِهِ وبركته مَشْهُورَة بِحَيْثُ أَن الطّلبَة تقصده من الْبِلَاد النائية لذَلِك وَقد جرب ذَلِك واشتهر عِنْد أهل الْمغرب وَكَانَ عَظِيم الْحِفْظ عَجِيب الاملاء إِذا قَرَأَ كتابا استوفى مَا فِيهِ فَإِن وجد فِيهِ مسئلة نَاقِصَة تممها أَو شَيْئا مستغلقاً شَرحه أَو طَويلا اخْتَصَرَهُ دون أَن يخل بِشَيْء من مَعَانِيه أَو مسَائِل مختلطة

الصفحة 444