كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

رتبها أَو وجد فِيهِ خطأ بَينه بغاية الْأَدَب بِحَيْثُ لَا ينتقص مُصَنفه وَكَانَ من الْحلم والبذل وَالصَّبْر بِحَيْثُ فاق أقرانه فِي ذَلِك خُصُوصا مَعَ ندرة ذَلِك فِي أهل الغرب وَكَانَ من الهيبة بِحَيْثُ تخافه الْمُلُوك وتخشى سطوته الْأُمَرَاء وَكَانَت الْعلمَاء والعامة منقادين لأَمره فِيمَا يرومه مَعَ وُقُوفه عِنْد حَده فِي سَائِر شؤونه وأدب نَفسه وَلسَانه إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ من حسن اللِّقَاء وَجَمِيل الْمُعَامَلَة وَالْإِكْرَام لجليسه وَكَانَ لجماله وبداعة وَجهه وَحسن صورته لَا يمْلَأ النَّاس مِنْهُ نظرتهم وَقد أفرد وَلَده عبد الرَّحْمَن لترجمته مجلداً حافلاً سَمَّاهُ تحفة الأكابر بمناقب الشَّيْخ عبد الْقَادِر ذكر فِيهِ بعض أخلاقه وعلومه اللدنية والمكتسبة ومنازلاته وكراماته وأسراره ومعاملاته مَعَ ربه سُبْحَانَهُ وإشاراته مِمَّا ذكره بِلِسَانِهِ أَو كتبه أَو قَرَّرَهُ فِي آيَة من كتاب الله عز وَجل من عِنْد نَفسه أَو من حَاصِل مَا حفظ وَنقل وَمَا تكلم بِهِ فِي بعض الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة أَو فِي بعض الْحَقَائِق المنقولة عَن أحد الصُّوفِيَّة وَبَعض كَلَامه فِي الحكم والحقائق وَمَا قَالَه من الشّعْر أَو قيل فِيهِ مِمَّا يتَضَمَّن ذكر الطَّرِيق وَأَهله إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يتعرف مِنْهُ مبْنى طَرِيقه وتبريزه فِي الْمعرفَة وَالْعلم وتحقيقه فَقَالَ ولد بِالْقصرِ الْكَبِير عِنْد زَوَال يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي شهر رَمَضَان سنة سبع بعد الْألف وَتسَمى هَذِه السّنة بالمغرب سنة الْفِيل وَسبب ذَلِك أَن فِي هَذِه السّنة فِي شهر رَمَضَان مِنْهَا بعث السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس الْمَنْصُور لوَلَده الْمَأْمُون هَدِيَّة من مراكش إِلَى فاس اشْتَمَلت على تحف وَبعث مَعهَا فيلة خَارج أهل فاس كلهم للقائها بِمِائَة ألف أَو يزِيدُونَ فَعظم وقعها وَكثر التَّعَجُّب مِنْهَا وَنَشَأ فِي حجر وَالِده مصوناً عَن عَبث الصّبيان ملازماً لدار جده وَبهَا ولدور بِي محفوفاً بالتدريج الرحماني فَقَرَأَ على وَالِده وَتعلم الْقُرْآن وَحفظه على معلمه غَانِم السفياني ثمَّ لَازم الْقِرَاءَة على أَخِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَقَرَأَ أَيْضا على الْفَقِيه مُحَمَّد الزيات وَمُحَمّد الرفاس وَعبد الْقوي كلهم من فُقَهَاء الْقصر ثمَّ رَحل إِلَى فاس بِقصد الْقِرَاءَة فِي أَوَائِل رَجَب سنة خمس وَعشْرين وَألف فَنزل بِالْمَدْرَسَةِ المصباحية وأكب على الِاجْتِهَاد فَكَانَ كثيرا مَا يجد نَفسه فِي الطَّرِيق سائراً لتَعلق قلبه بمجالس الْعلم وحنينه إِلَى أَمَاكِن الْقِرَاءَة فِي وَقتهَا وَفِي غير وَقتهَا فَانْتَفع فِي أقرب مُدَّة وَقَرَأَ على جمَاعَة من الْأَشْيَاخ مِنْهُم عَم أَبِيه الْعَارِف بِاللَّه أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ثمَّ قَرَأَ على غَيره من عُلَمَاء فاس كالشيخ أبي الْقَاسِم بن أبي النَّعيم الغسان وَالْإِمَام الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْمقري التلمساني وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الْجنان

الصفحة 445