كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

مَا يسمع وَلَا يَعْتَرِيه نِسْيَان مُنْذُ زمن قِرَاءَته وَكَانَ لَا يدع مُشكلا فِي علم يسْأَل عَنهُ وَلَا يتَكَلَّم مَعَه فِي نازلة إِلَّا ويفكها وَلَا يتَكَلَّم مَعَه فِي علم إِلَّا ويفيد ثَمَرَته عَن روية لَا بتكلف مطالعة وَلَا ترددّ بِعِبَارَة سهلة لَا يتَكَلَّف لَهَا تأنقاً وَلَا يلْتَزم لَهَا خُرُوجًا عَن لِسَان الْوَقْت بل كَانَ تدريسه على ذَلِك تَارَة بِعِبَارَة الْوَقْت وَتارَة بِالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَة فَإِذا كتب ظَهرت الفصاحة والبلاغة على الْوَجْه الَّذِي يبلغ من استحسانه كل مبلغ وَمَا رَأينَا تحصيلاً أتمّ من تَحْصِيله مَعَ التبحر فِي الْعُلُوم وَالْجمع لأدوات الِاجْتِهَاد وَكَانَ يمِيل إِلَيْهِ إِلَّا أَنه يوفق بَين رَأْيه ورأي أهل الْمذَاهب حَتَّى يصيره قولا جَارِيا على مَشْهُور الْمذَاهب وَلَا يقنع فِي أجوبته بِمَا يرَاهُ بنظره بل يَسْتَخْرِجهُ من النُّصُوص وَيَردهُ إِلَى مفهومها وَكَانَ لَهُ التَّمْكِين الْعَظِيم مَعَ قُوَّة التضلع فِي التَّفْسِير والْحَدِيث ومعاني الْكتاب وَالسّنة وَله فِي التصوف الْيَد الْبَيْضَاء وَأما الْعَرَبيَّة فَهُوَ أَبُو عذرها حَتَّى كَانَ يَقُول تِلْمِيذه الإِمَام الْعَلامَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن جلال كل من يحسن النَّحْو بفاس وَيَزْعُم أَنه أَخذه عَن غير سَيِّدي عبد الْقَادِر فَهُوَ كَذَّاب وَأما الْأُصُول والمنطق وَالْبَيَان فَكَانَ يَقُول تِلْمِيذه الْمَذْكُور مارسنا الْعلمَاء فَكَانَ إِذا أشكل علينا فِي الْمحلى أَو السعد أَو غَيرهمَا شَيْء أَتَيْنَا شَيخنَا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن عمرَان وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ مَعَه فِي ذَلِك فَسَأَلْنَاهُ فَيَأْخُذ الْكتب من أَيْدِينَا فيتأملها ثمَّ يجيبنا وَإِذا أَتَيْنَا سَيِّدي عبد الْقَادِر وسألناه أجابنا على البديهة دون تَأمل كتاب وَقد نفقت بضَاعَة سَائِر الْعُلُوم فِي عصره ببركته فتضلع بهَا تلامذته وتلامذة تلامذته حَتَّى صَارُوا يلقون من يَأْتِي بِشَيْء مِنْهَا مسارعين وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أكمل أهل زَمَانه وَكَانَت وَفَاته فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَألف
عبد الْقَادِر بن عمر الْبَغْدَادِيّ نزيل الْقَاهِرَة الأديب المُصَنّف الرّحال الباهر الطَّرِيقَة فِي الْإِحَاطَة بالمعارف والتضلع من الذَّخَائِر العلمية وَكَانَ فَاضلا بارعاً مطلعاً على أَقسَام كَلَام الْعَرَب النّظم والنثر رَاوِيا لوقائعها وحروبها وأيامها وَكَانَ يحفظ مقامات الحريري وَكَثِيرًا من دواوين الْعَرَب على اخْتِلَاف طبقاتهم وَهُوَ أحسن الْمُتَأَخِّرين معرفَة باللغة والأشعار والحكايات البديعة مَعَ التثبت فِي النَّقْل وَزِيَادَة الْفضل والانتقاد الْحسن ومناسبة إِيرَاد كل شَيْء مِنْهَا فِي مَوْضِعه مَعَ اللطافة وَقُوَّة المذاكرة وَحسن المنادمة وَحفظ اللُّغَة الفارسية والتركية وإتقانهما كل الإتقان وَمَعْرِفَة الْأَشْعَار الْحَسَنَة مِنْهُمَا وأخبار الْفرس خرج من

الصفحة 451