كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

بَغْدَاد وَهُوَ متقن لهَذِهِ اللُّغَات الثَّلَاث وَورد دمشق وَقَرَأَ بهَا على الْعَلامَة السَّيِّد مُحَمَّد بن كَمَال الدّين نقيب الشَّام وعَلى شَيخنَا النَّجْم مُحَمَّد بن يحيى الفرضي فِي الْعَرَبيَّة وَأقَام بِدِمَشْق فِي مَسْجِد قبالة دَار النَّقِيب الْمَذْكُور مِقْدَار سنة ثمَّ رَحل إِلَى مصر فَدَخلَهَا فِي سنة خمسين وَألف بعد فتح بَغْدَاد بعامين وَأخذ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وآلاتها النقلية والعقلية عَن جمع من مَشَايِخ الْأَزْهَر أَجلهم الشهَاب الخفاجي وَالسري الدروري والبرهان المأموني والنور الشبراملسي وَالشَّيْخ يس الْحِمصِي وَغَيرهم وَأكْثر لُزُومه كَانَ للخفاجي قَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من التَّفْسِير والْحَدِيث والآداب وَأَجَازَهُ بذلك وبمؤلفاته وَكَانَ الخفاجي مَعَ جلالته وعظمته يُرَاجِعهُ فِي الْمسَائِل الغريبة لمعرفته مظانها وسعة اطِّلَاعه وَطول بَاعه حكى صاحبنا الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ قلت لَهُ لما رَأَيْته من سَعَة حفظه واستحضاره مَا أَظن هَذَا الْعَصْر سمح بِرَجُل مثلك فَقَالَ لي جَمِيع مَا حفظته قَطْرَة من غَدِير الشهَاب وَمَا استغدت هَذِه الْعُلُوم الأدبية إِلَّا مِنْهُ وَلما مَاتَ الشهَاب تملك أَكثر كتبه وَجمع كتبا كَثِيرَة غَيرهَا وَأَخْبرنِي عَنهُ بعض من لَقيته أَنه كَانَ عِنْده ألف ديوَان من دواوين الْعَرَب العاربة وَألف المؤلفات الفائقة مِنْهَا شرح شَوَاهِد شرح الكافية للرضي الاسترابادي فِي ثَمَان مجلدات جمع فِيهِ عُلُوم الْأَدَب واللغة ومتعلقاتها بأسرها إِلَّا الْقَلِيل وملكته بالروم وانتفعت بِهِ ونقلت مِنْهُ فِي مجاميع لي نفائس أبحاث يعز وجودهَا فِي غَيره وَله أَيْضا شرح شَوَاهِد شرح الشافية للرضي أَيْضا والحاشية على شرح بَانَتْ سعاد لِابْنِ هِشَام وَقد رَأَيْتهَا وانتقيت مِنْهَا مبَاحث ونوادر كَثِيرَة من جُمْلَتهَا الناسب يجوز لَهُ أَن يذكر مَا تقدم وَأَن يفرغ مجهوده فِيمَا يدل على الصبابة وإفراط الوجد واللوعة والانحلال وَعدم الصَّبْر وَمَا أشبه ذَلِك من التذلل والتوله وَيجب أَن يجْتَنب مَا يدل على الإباء والعزة والتخشن والجلادة كَقَوْل إِسْحَاق الْأَعْرَج
(فَلَمَّا بدا لي مَا رَابَنِي ... نزعت نزوع الأبيّ الْكَرِيم)
فَإِنَّهُ وصف نَفسه بِالْجلدِ والإقناع والتسلي وَهَذَا نقض للغرض وَقد عَابَ عَلَيْهِ بَعضهم فَقَالَ قبحه الله مَا أحبها سَاعَة قطّ وكقول عبد الرَّحْمَن
(إِن تنأ دَارك لَا أمل تذكرا ... وَعَلَيْك مني رَحْمَة وَسَلام)
فَهَذَا وَإِن كَانَ معنى صَحِيحا لكنه أثقل من رضوى لَيْسَ فِيهِ لطف وَلَا عذوبة وَهُوَ

الصفحة 452