كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

بالرثاء أشبه مِنْهُ بالنسيب ثمَّ إِن مثله إِنَّمَا يُخَاطب بِهِ الأماثل من الرِّجَال وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يُخَاطب بِهِ النسوان وربات الحجال إِذْ لَيْسَ فِيهِ من الصنبوة والخلاعة مَا يجلب بِهِ مودتهن وَمن المخاشنة قَول طرفَة
(وَإِذا تلسنني ألسنها ... إِنَّنِي لست بموهون فقر)
وَمن النِّهَايَة فِي المخاشنة قَول الآخر
(سَلام لَيْت لِسَانا تنطقين بِهِ ... قبل الَّذِي نالني من صَوته قطعا)
فَهَذَا قَول عَدو مكاشر لَا محب مكاسر وأقبح من هَذَا قَول عبد بني الحسحاس فِي الدُّعَاء على محبوبته
(وراهن رَبِّي مثل مَا قدورينني ... وأحمي على اكبادهن المكاويا)
وَمثله قَول جَنَازَة
(من حبها أَتَمَنَّى أَن يلاقيني ... من نَحْو بلدتها ناع فينعاها)

(لكَي يكون فِرَاق لَا لِقَاء لَهُ ... وتضمر النَّفس يأسا ثمَّ تسلاها)
انْتهى وَله من التآليف أَيْضا شرح الشاهدي الْجَامِع بَين الْفَارِسِي والتركي وَغير ذَلِك مِمَّا لم يصل إِلَيّ خَبره وكل تآليفه مفيدة نافعة وَكَانَ مَعَ تبحره فِي الْآدَاب وَمَعْرِفَة الشّعْر لم يتَّفق لَهُ نظم حَتَّى طلبت من بعض المختصين بِهِ شَيْئا من شعره لأثبته فِي تَرْجَمته فَذكر لي فِيمَا زعم أَنه لم يتفوه بِشَيْء مِنْهُ ترفعا عَنهُ ثمَّ رَأَيْت الشلي ذكر لَهُ فِي تَرْجَمته هَذِه الأبيات فِي هجاء طَبِيب يَهُودِيّ يعرف بِابْن جَمِيع
(يَا ابْن جَمِيع أَصبَحت تمتحن النَّحْو ... ودعواك فِيهِ منحولة)

(أمك مَا بالها فقد ذهبت ... مَرْفُوعَة السَّاق وَهِي مفعولة)

(فاعلها الا يرو وَهُوَ منتصب ... مسَائِل قد أتتك مَجْهُولَة)

(وَالْعين عطل وَعين عصعصها ... بِنُقْطَة الخصيتين مشكولة)
وَدخل دمشق فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ فِي صُحْبَة الْوَزير إِبْرَاهِيم باشا الْمَعْرُوف بكتخذا الْوَزير منصرفا من حُكُومَة مصر وسافر مَعَه إِلَى أردنة راجيا أَن يحل من الزَّمَان مَحل الفريدة من العقد فَدخل إِلَى مجْلِس الْوَزير الْأَعْظَم أَحْمد باشا الْفَاضِل واستمكن مِنْهُ واختص بِهِ وَلما حللت أدرنة فِي ذَلِك الْعَهْد زرته مرّة فِي معهده وَكَانَ بَينه وَبَين وَالِدي حُقُوق ومودة قديمَة فَرَحَّبَ بِي وَأَقْبل عَليّ وَكَانَ إِذْ ذَاك فِي غَايَة من إقبال الكبراء عَلَيْهِ فَلم يلبث حَتَّى هجمت عَلَيْهِ على فأسى مِنْهَا آلاما شَدِيدَة وَلم يبْق طَبِيب حَتَّى بَاشر معالجته وَكَانَ أمره فِي نيل أمانيه مأخوذا على التَّرَاخِي

الصفحة 453