كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (اسم الجزء: 2)

فعاجله الملال والسآمة وضاق بِهِ الْأَمر فَذهب إِلَى معرة مصر وَعَاد مرّة ثَانِيَة وَأَنا بالروم فَابْتلى برمد فِي عَيْنَيْهِ حَتَّى قَارب أَن يكف فسافر من طَرِيق الْبَحْر إِلَى مصر فوصلها وَلم تطل مدَّته بِهِ حَتَّى توفّي وَكَانَت وِلَادَته بِبَغْدَاد فِي سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَتُوفِّي فِي أحد الربعين من سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن سوار الدِّمَشْقِي العاتكي شيخ الْمحيا بِالشَّام وَأحد الكبراء الصلحاء أَصْحَاب الشان كَانَ فِي مبدأ أمره يُسَافر إِلَى الْقَاهِرَة للتِّجَارَة فَحَضَرَ مجْلِس النَّبِي
وَشَيْخه أذذاك الشَّيْخ شهَاب الدّين البُلْقِينِيّ فَوَقع عمله فِي خاطره ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فابتدأ بِعَمَل الْمحيا فِي لَيْلَة الْجُمُعَة بِجَامِع الْبزورِي بمحلة قبر عَاتِكَة فِي رَجَب سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ يحضر مَعَه رجلَانِ أَو ثَلَاثَة من جِيرَانه أَنه لَا يزِيدُونَ فحضرهم ذَات لَيْلَة الشهَاب بن الْبَدْر الْغَزِّي فَاسْتحْسن فعلهم وَكَانَ يعاودهم كثيرا واعتنى بهم جدا وَمن لطائفه مَا قَالَه فِي مدح الْمحيا
(أَمَانَة تفسي فِي مطالعة الأحيا ... وَأَحْيَاء روحي فِي مُشَاهدَة الْمحيا)

(فيارب هَذَا دأب عَبدك دَائِما ... وديدنه مَا دَامَ فِي هَذِه الدِّينَا)
وَلما طَال تردده إِلَيْهِم ذكر ذَلِك لوالده الْبَدْر فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمره أَن يَأْتِي بالشيخ عبد الْقَادِر إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ أَشَارَ لَهُ بِعَمَل الْمحيا فِي الْجَامِع الْأمَوِي بالمشهد الْمَعْرُوف بزين العابدين فامتثل أمره وقوى قلبه وابتدأه فِي الْمحرم سنة إِحْدَى وَسبعين لرؤيا رَآهَا هُوَ وَرجل يُقَال لَهُ بَرَكَات العقرباني موافقين لإشارة الْبَدْر وَحدث الشَّيْخ عبد الْقَادِر أَنه فِي أَوَائِل عمل المحياد دخل عَلَيْهِ الشَّيْخ صَالح خير الدّين الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ فَقَالَ رَأَيْت رَسُول الله
وَمَعَهُ الشَّيْخ عَليّ الشوني وَهُوَ أول من عمل مجْلِس الصَّلَاة على رَسُول الله
بِمصْر وَالشَّيْخ شهَاب الدّين البُلْقِينِيّ وَهُوَ خَلِيفَته فِي الْمجْلس فَقَالَ لي رَسُول الله
تعرف الشَّيْخ عبد الْقَادِر إِمَام الْجَامِع الْبزورِي فَقلت لَهُ نعم فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِ وَقل لَهُ يعْمل الْمحيا على طَريقَة الشَّيْخَيْنِ وَأَشَارَ إِلَى الشوني والبلقيني ثمَّ رأى الشَّيْخ عبد الْقَادِر نَفسه رَسُول الله
فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اسْتَعِنْ عَن مجلسي بِأَصْحَابِك ثمَّ التمس بعد مُدَّة من الرُّؤْيَا من أَصْحَابه مساعدته فَلم يطعه مِنْهُم أحد وَقَالُوا لَا قدرَة لنا على سهر اللَّيْل فَرَأى رَسُول الله
مرّة ثَانِيَة فَقَالَ لَهُ أما قلت لَك اسْتَعِنْ على الْمجْلس بِأَصْحَابِك قَالَ فَقلت لَهُ مَا أَطَاعَنِي أحد فَقَالَ لَهُ أرسل إِلَيْك

الصفحة 454