كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)
فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتِ الْخُصُومَةُ إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ نَكَلَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، فَإِنْ قَضَى أَوَّلَ مَا نَكَلَ جَازَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا، وَيَثْبُتُ النُّكُولُ بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ، وَبِالسُّكُوتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي (ف) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " فَلَكَ يَمِينُهُ» ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَاسْتِحْلَافِهِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ.
(فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتِ الْخُصُومَةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ» فِيمَا رَوَيْنَا مِنَ الْحَدِيثِ.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ) فَتُقْبَلُ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ» ، وَلِأَنَّ طَلَبَ الْيَمِينِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يَحْضُرْهَا؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنِ الْبَيِّنَةِ، وَإِذَا قُدِرَ عَلَى الْأَصْلِ بَطَلَ حُكْمُ الْخُلْفِ.
قَالَ: (وَإِنْ نَكَلَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ) لِأَنَّ النُّكُولَ اعْتِرَافٌ وَإِلَّا يَحْلِفُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ، فَكَانَ نُكُولُهُ إِقْرَارًا أَوْ بَدَلًا فَيُقْضَى بِهِ.
(فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ أَوَّلُ مَا نَكَلَ جَازَ) لِأَنَّهُ حُجَّةٌ كَالْإِقْرَارِ.
(وَالْأَوْلَى أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا) وَيُخْبِرُهُ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَرُبَّمَا يَخْفَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ، فَإِذَا عَرَضَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَأَبَى قَضَى عَلَيْهِ، هَكَذَا فَعَلَهُ أَبُو يُوسُفَ مَعَ وَكِيلِ الْخَلِيفَةِ وَأَلْزَمَهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ النُّكُولِ: أَنَا أَحْلِفُ إِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَلَّفَهُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يُحَلِّفْهُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ قَالَ أَحْلِفُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ كَذَا هَذَا.
(وَيَثْبُتُ النُّكُولُ بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ.
(وَبِالسُّكُوتِ) لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَإِلَّا يَحْلِفُ.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ) فَيُعْذَرُ.
قَالَ: (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» جَعَلَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَذَلِكَ يَنْفِي رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّهُ قَسْمٌ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ، فَلَا يَكُونُ لِلْمُدَّعِي يَمِينٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ مَا رَوَيْنَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي يَمِينٌ مُعْتَبَرَةٌ، فَيَبْقَى الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ فَرْدٍ، وَأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ "؟ قَالَ: لَا، قَالَ: " لَكَ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ» يَنْفِي الْجَوَازَ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ. وَمَا رُوِيَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» فَمَرْدُودٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَنَقَلَهُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا إِلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَالنَّقْلُ إِلَى غَيْرِهِ خِلَافُ الْكِتَابِ، أَوْ نَقُولُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ خِلَافُ الْكِتَابِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَادِثَةٍ عَامَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ بَيْنَ السَّلَفِ، فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، فَلَمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ،
الصفحة 111
175