كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ، وَإِذَا حَبَسَهُ وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ عَنْ إِحْضَارِهِ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ بِهِ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ وَإِنْ تَكَفَّلَ بِهِ إِلَى شَهْرٍ فَسَلَّمَهُ قَبْلَ الشَّهْرِ بَرَأَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُوَفِّكَ بِهِ فَعَلَيَّ الْأَلْفُ الَّتِي عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَفِّ بِهِ، فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ وَالْكَفَالَةُ بَاقِيَةٌ؛ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا حَتَّى لَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ كَانَ غَائِبًا أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ.
(فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ إِيفَاءِ الْحَقِّ.
(وَإِذَا حَبَسَهُ وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ عَنْ إِحْضَارِهِ خَلَّى سَبِيلَهُ) وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الَّذِي حَبَسَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَازَمَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُلَازَمَتِهِ تَفْوِيتُ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَيُخَلِّيهِ.
(وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ) لِعَجْزِهِ عَنْ إِحْضَارِهِ فَصَارَ كَالْمَوْتِ، إِلَّا أَنَّ فِي الْمَوْتِ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ أَصْلًا لِلتَّيَقُّنِ بِالْعَجْزِ، وَهُنَا لَا لِاحْتِمَالِ الْقُدْرَةِ بِالْعِلْمِ بِمَكَانِهِ، وَلَوِ ارْتَدَّ الْمَكْفُولُ بِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ إِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُمْكِنُهُ دُخُولُ دَارِ الْحَرْبِ وَإِحْضَارُهُ فَهُوَ كَالْغَيْبَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ فَكَالْغَيْبَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَلَا تَبْطُلُ الْكَفَاءَةُ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ، وَالرُّجُوعُ مُمْكِنٌ، فَيُمْكِنُ الْكَفِيلُ إِحْضَارَهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ كَالْغَيْبَةِ الْمَجْهُولَةِ.
قَالَ: (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ بِهِ دُونَ الْمَكْفُولِ لَهُ) أَمَّا الْكَفِيلُ فَلِعَجْزِهِ، وَالْوَرَثَةُ لَمْ يَتَكَفَّلُوهُ وَإِنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَكْفُولُ بِهِ فَلِمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْمَكْفُولِ لَهُ، لِأَنَّ الْكَفِيلَ غَيْرُ عَاجِزٍ وَالْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَ الْمَكْفُولَ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» .
قَالَ: (وَإِنْ تَكَفَّلَ بِهِ إِلَى شَهْرٍ فَسَلَّمَهُ قَبْلَ الشَّهْرِ بَرَأَ) لِتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّأْجِيلَ حَقُّهُ فَلَهُ إِسْقَاطُهُ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُوَفِّكَ بِهِ فَعَلَيَّ الْأَلْفُ الَّتِي عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَفِّ بِهِ فَعَلَيْهِ الْأَلْفُ) لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ.
(وَالْكَفَالَةُ بَاقِيَةٌ) لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ، وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْأَلْفِ؛ وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَ الْمَكْفُولِ بِهِ فَعَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَصِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ لَمْ يَبْرَأِ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ، وَإِذَا سَلَّمَهُ الْكَفِيلُ إِلَيْهِ بَرَأَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ الطَّالِبُ كَإِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَكَذَا إِذَا سَلَّمَهُ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ، وَكَذَا إِذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالْخُصُومَةِ فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ كَالْمَكْفُولِ بِالْمَالِ.
قَالَ: (وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا حَتَّى لَا تَصِحُّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ وَالْأَمَانَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَسَوَاءٌ

الصفحة 168