كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

كُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا، وَشَرَائِطُهُ: تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَالْقَدْرِ وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ (سم) إِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَقَدْرُ (سم) رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدُورِيُّ: السَّلَمُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ تَعْجِيلَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَتَأْجِيلَ الْآخَرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ، لَكِنْ لَمَّا اخْتَصَّ بِحُكْمٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ كَالصَّرْفِ لَمَّا اخْتَصَّ بِوُجُوبِ تَعْجِيلِ الْبَدَلَيْنِ اخْتَصَّ بِاسْمٍ، وَهُوَ عَقْدٌ شُرِعَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ، إِلَّا أَنَّا تَرْكُنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَازَ السَّلَمَ وَأَنْزَلَ فِيهِ أَطْوَلَ آيَةٍ فِي كِتَابِهِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَمَّا السُّنَّةُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَيُسَمَّى بَيْعَ الْمَفَالِيسِ شُرِعَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى رَأْسِ الْمَالِ، لِأَنَّ أَغْلَبَ مَنْ يَعْقِدُهُ مَنْ لَا يَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَبِيعُهُ بِأَوْفَرِ الثَّمَنَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى السَّلَمِ، وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَبِلَفْظِ السَّلَفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَبِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ نَوْعُ بَيْعٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُجَرَّدِ لَا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَالَ: (كُلُّ مَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ جَازَ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
(وَمَا لَا فَلَا) لِأَنَّهُ يَكُونُ مَجْهُولًا فَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ يُبْتَنَى عَلَيْهَا أَكْثَرُ مَسَائِلِ السَّلَمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِهَا لِيُعْرَفَ بَاقِيهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا فَنَقُولُ: يَجُوزُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَزْرُوعَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَأَشْبَاهِهِمَا؛ وَلَا فِي الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ فِي الطَّسْتِ وَالْقُمْقُمِ وَالْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَجُوزُ فِي الْخُبْزِ لِتَفَاوُتِهِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِالثَّخَانَةِ وَالرِّقَّةِ وَالنُّضْجِ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَفَاوُتِهِ عَدَدًا مِنْ حَيْثُ الْخِفَّةُ وَالثِّقَلِ، وَوَزْنًا مِنْ حَيْثُ الصَّنْعَةُ. وَعِنْدِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا، لِأَنَّ الْوَزْنَ أَعْدَلُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِهِمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِتَعَامُلِ النَّاسِ بِهِ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ.
قَالَ: (وَشَرَائِطُهُ تَسْمِيَةُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ وَالْقَدْرِ وَمَكَانِ الْإِيفَاءِ إِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمَؤُونَةٌ، وَقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ) لِأَنَّ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تُنْفَى الْجَهَالَةُ وَتُقْطَعُ الْمُنَازَعَةُ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا

الصفحة 34