كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا فِي الْحَيَوَانِ وَلَحْمِهِ (سم) وَأَطْرَافِهِ وَجُلُودِهِ، وَيَصِحُّ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا، وَلَا يَصِحُّ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحُلِيِّ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، وَفِي الْفُلُوسِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ فِي الْمُنْقَطِعِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي الْمُدَّةِ، وَفِي مُدَّةِ انْقِطَاعِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى الْعَجْزِ عَنِ التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْمَحَلِّ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَالِانْقِطَاعُ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي سُوقِهِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجِدُ فِي الْبُيُوتِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ كَالرُّطَبِ فِي خُرَاسَانَ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَقَالِيمِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ، وَلَوْ حَلَّ السَّلَمُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى انْقَطَعَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَبْطُلُ السَّلَمُ، وَقِيلَ إِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ، كَإِبَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ وَتَخَمُّرِ الْعَصِيرِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
قَالَ: (وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ) لِتَفَاوُتِ آحَادُهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا حَتَّى لَوْ لَمْ تَتَفَاوَتْ كَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ الَّذِي يُبَاعُ وَزْنًا، قَالُوا: يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ.
قَالَ: (وَلَا فِي الْحَيَوَانِ وَلَحْمِهِ وَأَطْرَافِهِ وَجُلُودِهِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ» ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ الْبَاطِنَةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَالِيَّةِ فَيُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ.
وَأَمَّا اللَّحْمُ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: إِذَا سَمَّى مِنَ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ وَزْنِيٌّ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَيَجُوزُ. وَلَهُ أَنَّهُ يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بِكِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ، وَيَتَفَاوَتُ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ، وَلَوِ اسْتَهْلَكَ لَحْمًا ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ بِالْمِثْلِ وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَرْضَ وَالضَّمَانَ يَجِبَانِ حَالًّا فَتَكُونُ صِفَتُهُ مَعْلُومَةً وَلَا كَذَلِكَ السَّلَمُ. وَأَمَّا أَطْرَافُهُ وَجُلُودُهُ فَلِأَنَّهَا عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ تَفَاوُتًا يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَطْرَافِ الرُّؤُوسُ وَالْأَكَارِعُ.
أَمَّا الشُّحُومُ وَالْأَلْيَةُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا لِأَنَّهَا وَزْنِيٌّ مَعْلُومُ الْقَدْرِ والصِّفَةِ.
قَالَ: (وَيَصِحُّ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا) لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَكَذَلِكَ الطَّرِيُّ الصِّغَارُ فِي حِينِهِ.
وَفِي الْكِبَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ عَادَةً. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهُ.
قَالَ: (وَلَا يَصِحُّ بِمِكْيَالٍ بِعَيْنِهِ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَلَكَ الْمِكْيَالُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَعْجِزُ عَنِ التَّسْلِيمِ. وَكَذَا ذِرَاعٌ بِعَيْنِهِ، أَوْ وَزْنُ حَجَرٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مِمَّا لَا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ كَالْخَشَبِ وَالْحَدِيدِ لِيَكُونَ مَعْلُومًا فَلَا يُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ. أَمَّا مَا يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ كَالْجِرَابِ وَالزِّنْبِيلِ يَزْدَادُ وَيَنْتَقِصُ فَيُؤَدِّي إِلَى النِّزَاعِ.
قَالَ: (وَلَا فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَسْلَمُ

الصفحة 37