كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً، وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا صَلَحَ أُجْرَةً، وَتَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ، وَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالْعَيْبِ، وَتُقَالُ وَتُفْسَخُ، وَالْمَنَافِعُ تُعْلَمُ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَزَرْعِ الْأَرَضِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ، وَخِيَاطَتِهِ، وَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِحَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا مَسَافَةً مَعْلُومَةً، أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَحَمْلِ هَذَا الطَّعَامِ؛ وَإِنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَيُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ وَيَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنْتَفَعَ بِهَا مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَيْهَا لِيَتَرَتَّبَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ كَقِيَامِ الذِّمَّةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ جَوَازِ السَّلَمِ، وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَيَتَحَقَّقَ بِهَذَا الطَّرِيقِ التَّمَكُّنُ مِنَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى:
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] أَيْ بِالْعَمَلِ بِالْأَجْرِ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» . وَبُعِثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ مَعْدُومَةٍ؛ وَيَبْدَأُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ، لِأَنَّ عَيْنَ الْمَنْفَعَةِ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا، فَأَقَمْنَا التَّمْكِينَ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَقَامَهُ.
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنَافِعِ وَالْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ.
قَالَ: (وَمَا صَلَحَ ثَمَنًا صَلَحَ أُجْرَةً) لِأَنَّهَا ثَمَنٌ أَيْضًا؛ فَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَزْرُوعُ وَالْمَعْدُودُ وَالْمُتَقَارِبُ يَصْلُحُ أُجْرَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصْلُحُ ثَمَنًا، وَالْحَيَوَانُ يَصْلُحُ إِنْ كَانَ عَيْنًا، أَمَّا دَيْنًا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَنْفَعَةُ تَصْلُحُ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ إِذَا اخْتَلَفَ جِنْسَاهُمَا، وَلَا تَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
قَالَ: (وَتَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ، وَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالْعَيْبِ، وَتُقَالُ وَتُفْسَخُ) كَمَا فِي الْبَيْعِ.
قَالَ: (وَالْمَنَافِعُ تُعْلَمُ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ كَسُكْنَى الدَّارِ وَزَرْعِ الْأَرْضِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إِذَا عُلِمَتْ تَصِيرُ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً.
(أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ، وَخِيَاطَتِهِ، وَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِحَمْلِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِيَرْكَبَهَا مَسَافَةً مَعْلُومَةً) لِأَنَّهُ إِذَا بُيِّنَ لَوْنُ الصَّبْغِ وَقَدْرُهُ وَجِنْسُ الْخِيَاطَةِ وَقَدْرُ الْمَحْمُولِ وَجِنْسُهُ وَالْمَسَافَةُ تَصِيرُ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً.
(أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَحَمْلِ هَذَا الطَّعَامِ) لِأَنَّهُ إِذَا عَرَفَ مَا يَحْمِلُهُ وَالْمَوْضِعَ الَّذِي يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً.
قَالَ: (وَإِنِ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا فَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَيُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ وَيَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ) مِنْ وَضْعِ الْمَتَاعِ، وَرَبْطِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمُتَعَارَفَ مِنَ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ ذَلِكَ، وَمَنَافِعُ

الصفحة 51