كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

وَإِنْ قَالَ: إِنْ سَكَنْتَ هَذَا الْحَانُوتَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَحَدَّادًا بِدِرْهَمَيْنِ جَازَ (سم) ، وَأَيَّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى لَهُ.

فَصْلٌ وَإِذَا فَسَدَتِ الْإِجَارَةُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ سَكَّنْتُ هَذَا الْحَانُوتَ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَحَدَّادًا بِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى لَهُ) وَقَالَا: الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إِنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إِلَى الْحِيرَةِ بِدِرْهَمٍ وَإِلَى الْقَادِسِيَّةِ بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ إِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا كُرَّ شَعِيرٍ فَبِدِرْهَمٍ، وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمَيْنِ. لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ، وَالْأَجْرُ أَحَدُ الْأَجْرَيْنِ، وَتَجِبُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَبِهِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ فَافْتَرَقَا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ صَحِيحَيْنِ، لِأَنَّ سُكْنَى الْعَطَّارِ تُخَالِفُ سُكْنَى الْحَدَّادِ حَتَّى لَا تَدْخُلَ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ وَالْإِجَارَةُ تُعْقَدُ لِلْمَنْفَعَةِ، وَعِنْدَهُمَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ فَيَصِحُّ كَالْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ، وَإِنْ وَجَبَ الْأَجْرُ بِالتَّسْلِيمِ يَجِبُ أَقَلُّهُمَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ.
وَلَوْ قَالَ: إِنْ خِطْتَ هَذَا الثَّوْبَ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ وَرُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ جَازَ، وَأَيَّ الْعَمَلَيْنِ عَمِلَ اسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ، وَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ. وَقَالَ زُفَرُ: الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ فِي الْحَالِ، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ.

[فصل بيان ما يجب إذا فسِدَت الْإِجَارَةِ]
فَصْلٌ اعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْسِدُ الْبَيْعَ تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ مِنْ جَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوِ الْأُجْرَةِ أَوِ الْمُدَّةِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْجَهَالَةَ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْمُنَازَعَةِ. وَالْأَصْلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعْلُومَةً كَمَا شَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ؛ وَلَوْ آجَرَ الدَّارَ عَلَى أَنْ يُعَمِّرَهَا أَوْ يُطَيِّنَهَا، أَوْ يَضَعَ فِيهَا جِذْعًا فَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ بَعْضَهَا مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْعِمَارَةِ، وَيُعْرَفُ غَيْرُهَا مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهَا فَتُقَاسُ عَلَيْهَا.
(وَإِذَا فَسَدَتِ الْإِجَارَةُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ) لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ. أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ فِيهَا قِيمَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ» فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.

الصفحة 57