كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

وَهُوَ عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ، وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ بِالتَّخْلِيَةِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْبُوضَةً وَثِيقَةً بِأَمْوَالِكُمْ. وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ بِالْمَدِينَةِ» وَبُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
قَالَ: (وَهُوَ عَقْدُ وَثِيقَةٍ) لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
قَالَ: (بِمَالٍ مَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِمِثْلِهِ.
(يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ) عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَلَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً فَلَا تَكُونُ إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ.
(أَوْ بِالتَّخْلِيَةِ) لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.
(وَقَبْلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَا) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ؟ ثُمَّ الرَّهْنُ لَا يَخْلُو، إِمَّا إِنْ كَانَ بِدَيْنٍ وَهُوَ الْمِثْلِيُّ، أَوْ بِعَيْنٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ بِدَيْنٍ جَازَ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِأَيِّ وَجْهٍ ثَبَتَ، سَوَاءً كَانَ مِنَ الْأَثْمَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؛ وَإِنْ كَانَ بِعَيْنٍ فَالْأَعْيَانُ عَلَى وَجْهَيْنِ: مَضْمُونَةٌ، وَغَيْرُ مَضْمُونَةٍ. فَالْمَضْمُونَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا، وَمَضْمُونَةٌ بِغَيْرِهَا؛ فَالْمَضْمُونُ بِنَفْسِهِ: مَا يَجِبُ عِنْدَ هَلَاكِهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَالْمَهْرِ، وَبَدَلِ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ ضَمَانًا صَحِيحًا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ؛ وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَلَاكِهِ حَتَّى يُسْتَوْفَى مِنَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ فَصَارَ كَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ. وَالْأَعْيَانُ الْغَيْرُ الْمَضْمُونَةِ: وَهِيَ الْأَمَانَاتُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ، وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُسْتَأْجَرِ وَنَحْوِهَا، لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا، لِأَنَّ الرَّهْنَ مُقْتَضَاهُ الضَّمَانُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الرَّهْنِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهُ احْتِرَازًا عَنْ هَذَا، وَلَا يَجُوزُ بِالشُّفْعَةِ وَلَا بِالدَّرْكِ وَلَا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِمَعْدُومٍ، وَلَا بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَجُوزُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ، وَيَكُونُ رَهْنًا بِالْأَرْشِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلَا يَجُوزُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ فَيُفِيدُ الشَّرْطَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يُفِيدُ، وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْحُرِّ، وَالْمُدَبَّرِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبِ، وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا فَلَا يَحْصُلُ التَّوَثُّقُ، وَكَذَا جِذْعٌ فِي سَقْفٍ، وَذِرَاعٌ مِنْ ثَوْبٍ، وَأَشْبَاهُهُ لِمَا مَرَّ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَيَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ، لِأَنَّ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ لِلْوَفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ مِنَ الْخَمْرِ وَيَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ، ثُمَّ الرَّهْنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: جَائِزٌ، وَبَاطِلٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا. وَفَاسِدٌ وَهُوَ رَهْنُ الْمَبِيعِ، وَرَهْنُ الْمُشَاعِ وَالْمَشْغُولِ بِحَقِّ الْغَيْرِ، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ خَلًّا، وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ ظَهَرَ

الصفحة 63