كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)

وَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ حَتَى يُكَفِّنَهُ، وَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ مَالِيَّتِهِ قَدْرَ دَيْنِهِ حُكْمًا وَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنَ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيِمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَإِنْ أَوْدَعَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ إِعَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَهُ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ، وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَأَجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ وَنَمَاؤُهُ لَهُ وَيَصِيرُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْهُ بِهَلَاكِهِ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَهُوَ قَضَاءٌ مَا بَقِيَ مِنَ الدَّيْنِ إِنْ لَمْ يَفِ بِهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مِثْلِهِ، قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ.
قَالَ: (وَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ حَتَّى يُكَفِّنَهُ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوِ اشْتَرَاهُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكَهُ فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ.
قَالَ: (وَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ مَالِيَّتِهِ قَدْرَ دَيْنِهِ حُكْمًا، وَالْفَاضِلُ أَمَانَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنَ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ قَدْرُ مَا يَسْتَوْفِيهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَعِنْدَ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ الزِّيَادَةُ أَمَانَةٌ، لِأَنَّهَا فَاضِلَةٌ عَنِ الدَّيْنِ وَقَدْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَعِنْدَ النُّقْصَانِ قَدِ اسْتَوْفَى قِيمَتَهُ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ.
قَالَ: (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ) لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَفِيهِ يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ يَدًا ثُمَّ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُهَا. قَالَ: (فَإِنْ أَوْدَعَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ إِعَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَهُ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ) .
وَكَذَا إِذَا تَعَدَّى فِيهِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى وَالِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ إِذْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ، وَالْأَمَانَاتُ تُضَمَّنُ بِالتَّعَدِّي، وَلَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي، وَلِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إِلَّا بِحِفْظِهِ وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَكَانَ مُخَالِفًا، بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَحْفَظُ مَالَهُ غَالِبًا بِهَؤُلَاءِ، فَيَكُونُ الرِّضَى بِحِفْظِهِ رِضًى بِحِفْظِهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ الْبَيْتِ، وَلَا اسْتِصْحَابُ الرَّهْنِ، فَصَارَ الْحِفْظُ بِهَؤُلَاءِ مَعْلُومًا لَهُ فَلَا يُضَمَّنُ؛ وَلُبْسُ الْخَاتَمِ فِي خِنْصِرِهِ تَعَدٍّ، وَفِي غَيْرِهَا حِفْظٌ، وَالتَّقَلُّدُ بِالسَّيْفِ وَالسَّيْفَيْنِ تَعَدٍّ لِلْعَادَةِ وَبِالثَّلَاثِ لَا؛ وَوَضْعُ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ عَلَى الرَّأْسِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ تَعَدٍّ، وَوَضْعُهُمَا عَلَى الْعَاتِقِ أَوِ الْكَتِفِ لَا؛ وَالتَّعَمُّمُ بِالْقَمِيصِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ؛ وَوَضْعُ الْخَلْخَالِ مَوْضِعَ السُّوَارِ وَبِالْعَكْسِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ، وَلُبْسُهُمَا مَوْضِعَهُمَا تَعَدٍّ.
قَالَ: (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ، وَأُجْرَةُ الرَّاعِي عَلَى الرَّاهِنِ) وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِبَقَاءِ الرَّهْنِ وَمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَذَلِكَ مَؤُونَةُ الْمِلْكِ، وَالرَّعْيُ مِنَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ عَلْفُ الْحَيَوَانِ وَالْكِسْوَةُ وَالظِّئْرُ، وَإِصْلَاحُ شَجَرِ الْبُسْتَانِ وَسِقْيُهَا، وَجُذَاذُ الثَّمَرَةِ مِنَ النَّفَقَةِ.
قَالَ: (وَنَمَاؤُهُ لَهُ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَالثَّمَرَةِ.
(وَيَصِيرُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ حَقٌّ لَازِمٌ

الصفحة 65