كتاب الاختيار لتعليل المختار (اسم الجزء: 2)
وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ، وَلَا عَلَى الْمَدْيُونِ، فَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ، حَبَسَهُ حَتَّى يَبِيعَ وَيُوَفِّيَ الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ قَضَاهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ، وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ بَاعَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ، وَلَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَلَا الْعَقَارَ، وَقَالَا: يَبِيعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــQحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ، وَلَا حَجْرَ عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتُخْرَجُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ مَصْرِفِهَا.
وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَمَا لِلصَّوْمِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَيُكَفِّرُهُ بِالصَّوْمِ لَا غَيْرُ كَابْنِ السَّبِيلِ الْمُنْقَطِعِ عَنْ مَالِهِ ; وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ نَفَذَ الْعِتْقُ وَسَعَى فِي قِيمَتِهِ، وَلَا يَجْزِيهِ عَنِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِبَدَلٍ كَالْمَرِيضِ الْمَدْيُونِ إِذَا أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ مَاتَ يَسْعَى الْعَبْدُ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا يَجْزِيهِ، وَكَذَا سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ ; وَلَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ صَلَحَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ لِزَوَالِ الْعَجْزِ.
وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُسَلِّمُ النَّفَقَةَ إِلَى ثِقَةٍ فِي الْحَاجِّ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا مِنَ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَأَثْوَبُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَبَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ، وَلَهُ أَنْ يَسُوقَ الْبَدَنَةَ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَسَّرَ الْهَدْيَ بِالْبَدَنَةِ، وَيَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ إِذَا تَحَقَّقَتْ أَسْبَابُهَا عَمَلًا بِالسَّبَبِ، وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَا يُبْطِلُ حُقُوقَ الْعِبَادِ؛ وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ.
قَالَ: (وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الْفَاسِقِ) أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدُهُمَا إِنْ كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] الْآيَةَ، وَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ نَوْعُ رُشْدٍ وَهُوَ إِصْلَاحُ الْمَالِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ؛ وَلِأَنَّ الْحَجْرَ لِلْفَسَادِ فِي الْمَالِ لَا فِي الدِّينِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْفِسْقِ.
قَالَ: (وَلَا) يُحْجَرُ. (عَلَى الْمَدْيُونِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ.
(فَإِنْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ حَبْسَهُ حَبَسَهُ حَتَّى يَبِيعَ وَيُوَفِّيَ الدَّيْنَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
(فَإِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ قَضَاهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ أَمْرِهِ) لِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَالْقَاضِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ بَاعَهُ الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ) وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ كَالْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا كَجِنْسٍ وَاحِدٍ نَظَرًا إِلَى الثَّمَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَعَدَمِ التَّعْيِينِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لِلدُّيُونِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْغَرَضُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْعُرُوضِ دُونَ الْأَثْمَانِ فَافْتَرَقَا.
(وَلَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَلَا الْعَقَارَ) ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ وَهُوَ تِجَارَةٌ لَا عَنْ تَرَاضٍ.
(وَقَالَا: يَبِيعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَ
الصفحة 98
175