كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 2)
175 - 175 النساء بأنه بيِّنٌ بنفسه مستغنٍ في ثبوت حقِّيتِه وكونِه من عندِ الله تعالى بإعجازه غيرُ محتاجٍ إلى غيره مبينٌ لغيره من الأمور المذكورةِ وإشعاراً بهدايته للخلق ووإخراجهم من ظلمات الكفرِ إلى نور الإيمانِ وقد سلك به مسلك العطفِ المبنيِّ على تغايُر الطرفين تنزيلاً للمغايرة العُنوانيةِ منزلةَ المغايَرَةِ الذاتية وعبر عن ملابسته للمخاطَبين تارةً بالمجيء المسنَدِ إليه المنبء عن كمال قوتِه في البرهانية كأنه يجيء بنفسه فيُثبِتُ أحكامَه من غير أن يجيءَ به أحدٌ على شُبَه الكفرةِ بالإبطال وأخرى بالإنزال الموُقَعِ عليه الملائمِ لحيثية كونِه نوراً توقيرا له باعتبار كلِّ واحدٍ من عنوانية حظِّه اللائقِ به وإسنادُ إنزالِه إليه تعالى بطريق الالتفاتِ لكمال تشريفِه هذا على تقديرِ كونِ البرهانِ عبارةً عن القرآن العظيمِ وأما على تقدير كونِه عبارةً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن المعجزات الظاهرةِ على يده أو عن الدينِ الحقِّ فالأمرُ هيِّنٌ وقولُه تعالى إِلَيْكُمْ متعلقٌ بإنزالنا فإن إنزالَه بالذات وإن كان إلى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لكنه منزلٌ إليهم أيضاً بواسطته عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإنَّما اعتبر حاله لإظهار كمالِ اللطفِ بهم والتصريح بوصوله إليهم مبالغا في الإعذار وتقديمُه على المفعولِ الصريحِ مع أن حقَّه التأخرُ عنه لما مر غيرَ مرة من الاهتمامِ بما قُدِّمَ والتشويق إلى ما أُخِّر وللمحافظة على فواصلِ الآي الكريمة
{فأما الذين آمنوا بالله} حسبما يوجبُه البرهانُ الذي أتاهم
{واعتصموا بِهِ} أي عصَموا به أنفسَهم مما يُرديها من زيغ الشيطان وغيره
{فسيدخلهم في رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ} قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي الجنةُ وما يتفضل عليهم مما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطَر على قلب بشر وعبّر عن إفاضة الفضلِ بالإدخال على طريقةِ قوله علفتُها تِبْناً وماء باردا وتنوينُ رحمةً وفضلٍ تفخيميٌّ ومنه متعلقٌ بمحذوف وقع صفة مشرِّفة لرحمة
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ} أي إلى الله عزَّ وجلَّ وقيل إلى الموعود وقيل إلى عبادته
{صراطا مُّسْتَقِيماً} هو الإسلامُ والطاعةُ في الدنيا وطريقُ الجنةِ في الآخرة وتقديمُ ذكرِ الوعد بإدخال الجنةِ على الوعد بالهداية إليها على خلاف الترتيبِ في الوجود بين الموعودَين للمسارعة إلى التبشير بما هو المقصد الأصلي قبل انتصابُ صِراطاً على أنه مفعولٌ لفعل محذوف ينبئ عنه يهديهم أي يعرِفهم صراطاً مستقيماً
{يَسْتَفْتُونَكَ} أي في الكلالة استُغني عن ذكره بوروده في قوله تعالى
{قل الله يُفْتِيكُمْ فِى الكلالة} وقد مر تفسيرُها في مطلع السورةِ الكريمةِ والمستفتي جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يروى
الصفحة 263
267