كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام (اسم الجزء: 2)

[فَصْلٌ فِيمَا يَقْدَحُ فِي الظُّنُونِ مِنْ التُّهَمِ وَمَا لَا يَقْدَحُ فِيهَا]
التُّهَمُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ
أَحَدُهَا تُهْمَةٌ قَوِيَّةٌ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ لِنَفْسِهِ، وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ لِنَفْسِهِ، فَهَذِهِ تُهْمَةٌ مُوجِبَةٌ لِرَدِّ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الدَّاعِي الطَّبْعِيِّ قَادِحَةٌ فِي الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ قَدْحًا ظَاهِرًا لَا يَبْقَى مَعَهُ إلَّا ظَنٌّ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَلَا لِاسْتِنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: تُهْمَةٌ ضَعِيفَةٌ كَشَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَالصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ وَالرَّفِيقِ لِرَفِيقِهِ، وَالْعَتِيقِ لِمُعْتِقِهِ، فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ، وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الصَّدِيقِ الْمُلَاصِقِ، وَلَا تَصْلُحُ تُهْمَةُ الصَّدَاقَةِ لِلْقَدَحِ فِي الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُرَدُّ بِكُلِّ تُهْمَةٍ.

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: تُهْمَةٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا وَلَهَا رُتَبٌ.
أَحَدُهَا تُهْمَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهِيَ تُهْمَةُ شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِأَوْلَادِهِ وَأَحْفَادِهِ، أَوْ لِآبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ، وَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَاتٌ، ثَالِثُهَا: رَدُّ شَهَادَةِ الْأَبِ وَقَبُولُ شَهَادَةِ الِابْنِ؛ لِقُوَّةِ تُهْمَةِ الْأَبِ لِفَرْطِ شَفَقَتِهِ وَحُنُوِّهِ عَلَى الْوَالِدِ.
الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ تُهْمَةُ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَهِيَ مُوجِبَةٌ لِلرَّدِّ لِقُوَّةِ التُّهْمَةِ، وَخَالَفَ فِيهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ تُهْمَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا شَهِدَ لِلْآخَرِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ، ثَالِثُهَا: رَدُّ شَهَادَةِ الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ تُهْمَتَهَا أَقْوَى مِنْ تُهْمَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ لِكِسْوَتِهَا وَنَفَقَتِهَا وَسَائِرِ حُقُوقِهَا.

الصفحة 36