كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

بِخِلَاف قَامَت الْحَرْب على سَاق، فَإِنَّهُ تَمْثِيل لحَال الْحَرْب بِحَال من يقوم على سَاقه لَا يقْعد وَلَا مجَاز فِي شَيْء من مفرداته وَبِالْجُمْلَةِ المركبات مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا التركيبة وضعا نوعيا بِحَيْثُ يدل عَلَيْهَا بِلَا قرينَة، فَإِن اسْتعْملت فِيهَا فحقائق وَإِلَّا فمجازات، وَهَذَا غير الْإِسْنَاد الْمجَازِي الَّذِي يَقُول بِهِ عبد القاهر وَمن تبعه من الْمُحَقِّقين، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْء من اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ، بل مَعْنَاهُ أَن حق الْفِعْل بِحكم الْعقل أَن يسند إِلَى مَا هُوَ لَهُ فإسناده إِلَى غير مَا هُوَ لَهُ مجَاز عَقْلِي واتحاد جِهَة الْإِسْنَاد بِحَسب الْوَضع، واللغة لَا يُنَافِي ذَلِك وَإِنَّمَا يُنَافِيهِ اتِّحَاد جِهَته بِحَسب الْعقل وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مَا هُوَ متصف بِهِ محلا لَهُ فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل ومتعلقا لَهُ فِي الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول فَمَا يَقْتَضِيهِ الْعقل ويرتضيه، وَفِي غير ذَلِك مِمَّا يأباه إِلَّا بِتَأْوِيل، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق وَالَّذِي يزِيل الْوَهم بِالْكُلِّيَّةِ أَن يَجْعَل الْفِعْل مجَازًا وضعيا عَمَّا يَصح عِنْد الْعقل إِسْنَاده إِلَى الْفَاعِل الْمَذْكُور: وَهُوَ التَّسَبُّب العادي فَيكون أنبت مجَازًا عَن تسبب فِي الإنبات، وَصَامَ عَن تسبب فِي الصَّوْم إِلَى غير ذَلِك، وَهَذَا مُشكل فِيمَا أسْند إِلَى الْمصدر مثل جد جده، وَبِالْجُمْلَةِ كَلَام المُصَنّف فِي هَذَا الْمقَام يدل على قصر بَاعه فِي علم الْبَيَان انْتهى، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (بعيد إِذْ لَا يمْنَع اتحاده) أَي الْإِسْنَاد (بِحَسب الْوَضع) اللّغَوِيّ (انقسامه) أَي الْإِسْنَاد (عقلا إِلَى مَا هُوَ للمسند إِلَيْهِ) فَيكون حَقِيقَة (و) إِلَى (مَا لَيْسَ لَهُ) أَي للمسند إِلَيْهِ فَيكون مجَازًا (ثمَّ) لَا يمْنَع (وضع الِاصْطِلَاح) كَذَلِك بِأَن يُسمى الْإِسْنَاد إِلَى مَا هُوَ لَهُ حَقِيقَة، وَإِلَى غير مَا هُوَ لَهُ مجَازًا (والطرفان أَي الْمسند والمسند إِلَيْهِ، أَو الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ فِي الْمجَاز الْعقلِيّ (حقيقان كأشاب الصَّغِير الْبَيْت) أَي وأفنى الْكَبِير كرّ الْغَدَاة وَمر العشى، فَإِن كلا من الإشابة والإفناء مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته (أَو مجازان كأحياني اكتحالي بطلعتك) فَإِن المُرَاد بِالْإِحْيَاءِ: السرُور وبالاكتحال الرُّؤْيَة (أَو أَحدهمَا) نَحْو أَحْيَا الرّبيع الأَرْض، فَإِن المُرَاد بِالْإِحْيَاءِ الْمَعْنى الْمجَازِي وَهُوَ تهييج القوى النامية فِيهَا وأحداث نضارتها بالنبات كَمَا أَن الْحَيَاة صفة تَقْتَضِي الْحس وَالْحَرَكَة وبالربيع حَقِيقَته وكسا الْبَحْر الْفَيَّاض الْكَعْبَة: يَعْنِي الشَّخْص الْجواد وكسا مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته (وَقد يرد) الْمجَاز الْعقلِيّ (إِلَى التَّجَوُّز بالمسند) حَال كَونه مُسْتَعْملا (فِيمَا تصح نسبته) إِلَى الْمسند إِلَيْهِ بِقَرِينَة صارفة عَن كَونه مُسْندًا إِلَى مَا هُوَ لَهُ وقرينة مُعينَة لما اسْتعْمل فِيهِ مَا يَصح إِسْنَاده إِلَى الْفَاعِل الْمَذْكُور لكَونه وَصفا لَهُ أَو مُتَعَلقا بِهِ فِي نفس الْأَمر، والراد هُوَ ابْن الْحَاجِب (وَإِلَى كَون الْمسند إِلَيْهِ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ) مَعْطُوف على قَوْله إِلَى التَّجَوُّز، وَالتَّقْدِير وَقد يرد الْمجَاز الْعقلِيّ إِلَى كَون الْمسند إِلَيْهِ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ على مَا هُوَ مصطلح السكاكي، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (كالسكاكي) أَي كرد السكاكي (وَلَيْسَ) الرَّد إِلَى كَونه اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ على اصْطِلَاحه مغنيا) عَن الرَّاد شَيْئا فِيمَا هُوَ

الصفحة 13