كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

قَالَ: وَأما القَاضِي فاستمر على لجاج ظَاهر فَقَالَ: الصَّلَاة الدُّعَاء والمسمى بهَا فِي الشَّرْع هُوَ الدُّعَاء لَكِن إِنَّمَا يعْتَبر عِنْد وُقُوع أَفعَال وأحوال، وطرد ذَلِك فِي الْأَلْفَاظ الَّتِي فِيهَا الْكَلَام (وَأجِيب باستلزامه) أَي هَذَا القَوْل (عدم السُّقُوط) للصَّلَاة الْمَفْرُوضَة عَن الْمُكَلف (بِلَا) قرينَة (دُعَاء لافتراضه) أَي الدُّعَاء (بِالذَّاتِ و) باستلزامه (السُّقُوط) بهَا عَن الذِّمَّة (بِفعل الشَّرْط) أَي بِمُجَرَّد أَن يفعل الشَّرْط من غير فعل الرُّكْن (مطردا) أَي دَائِما (فِي) حق (الْأَخْرَس الْمُنْفَرد) لصِحَّة صلَاته مَعَ انْتِفَاء الْمَشْرُوط الَّذِي هُوَ الدُّعَاء وَإِنَّمَا قيد بالمنفرد، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لَهُ إِمَام فدعاء الإِمَام دُعَاء لَهُ وَمنع السُّبْكِيّ هَذَا بِأَن الدُّعَاء هُوَ الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ وَهُوَ يُوجد من الْأَخْرَس وَفِيه نظر، إِذْ مُجَرّد الطّلب إِذا قَامَ بِنَفس شخص لم يصدر عَنهُ مَا يدل عَلَيْهِ لَا يُقَال أَنه دُعَاء (ثمَّ لَا يَتَأَتَّى) هَذَا التَّوْجِيه (فِي بَعْضهَا) أَي فِي بعض الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة كَالزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ لُغَة النَّمَاء وَالزِّيَادَة، وَشرعا تمْلِيك قدر مَخْصُوص من مَال مَخْصُوص لشخص مَخْصُوص، وَلَا يُمكن أَن تحمل الزَّكَاة على النَّمَاء وَيجْعَل الْمَذْكُور شرطا كَمَا لَا يخفى (قَالُوا) أَيْضا (لَو نقلهَا) أَي الشَّارِع الْأَسْمَاء عَن الْمعَانِي اللُّغَوِيَّة إِلَى الشَّرْعِيَّة (فهمها) أَي الْمعَانِي المنقولة (لَهُم) أَي الصَّحَابَة لأَنهم كلفوا بهَا، والفهم شَرط التَّكْلِيف (وَلَو وَقع) التفهيم (نقل) إِلَيْنَا لأننا مكلفون بهَا أَيْضا (وَلزِمَ تواتره) أَي النَّقْل (عَادَة) لتوفر الدَّوَاعِي عَلَيْهِ وَلم يُوجد وَإِلَّا لما وَقع الْخلاف فِي النَّقْل (وَالْجَوَاب الْقطع بفهمهم) أَي الصَّحَابَة الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة من الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة (كَمَا ذكرنَا وفهمنا) أَي وَالْقطع يفهمنا تِلْكَ الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة أَيْضا مِنْهَا (وَبعد حُصُول الْمَقْصُود) وَهُوَ الْفَهم (لَا يلْزم تعْيين طَرِيقه) أَي طَرِيق الْمَقْصُود من التفهيم قصدا بالعبارة وَنَحْوهَا (وَلَو التزمناه) أَي تعْيين طَرِيقه (جَازَ) أَن يكون ذَلِك التفهيم (بالترديد) أَي بطرِيق التّكْرَار (بالقرائن) عِنْد سَماع تِلْكَ الْأَسْمَاء لَهُم: أَي للصحابة ثمَّ لنا مِنْهُم (كالأطفال) يتعلمون اللُّغَات من غير تَصْرِيح لَهُم بِوَضْع اللَّفْظ لمسماه، بل إِذا ردد اللَّفْظ وَكرر يفهمون مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ ويحفظونه (أَو) أَن يكون (أَصله) أَي أصل التفهيم (بإخباره) أَي الشَّارِع (ثمَّ اسْتغنى عَن إخبارهم) أَي أَخْبَار الصَّحَابَة (لمن يليهم) مِمَّن تلقى عَنْهُم (أَنه) أَي الشَّارِع (أخْبرهُم) أَي الصَّحَابَة فَقَوله ثمَّ اسْتغنى على صِيغَة الْمَجْهُول، وَقَوله عَن أخبارهم قَائِم مقَام فَاعله، وَقَوله من يليهم مفعول أَولا لأخبارهم، وَقَوله أَنه أخْبرهُم مَفْعُوله الثَّانِي: يَعْنِي لَا يلْزم على الصَّحَابَة أَن يخبروا من يليهم أَنه أخبرنَا الشَّارِع بِوَضْع الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة لمعانيها الشَّرْعِيَّة، وَذَلِكَ لِأَن من يليهم فَهموا من استعمالاتهم وَضعهَا كَمَا يفهم الْأَطْفَال من غير أَن يُقَال لَهُم هَذَا مَوْضُوع لذا أَو بأخبارهم بِالْوَضْعِ

الصفحة 17