كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

من غير أَن يَقُولُوا أخبرنَا الشَّارِع بِهِ، وَيُمكن أَن يناقش فِيهِ بِأَن شَأْن الصَّحَابَة يَقْتَضِي أَن لَا يسكتوا عَن أَخْبَار الشَّارِع إيَّاهُم فِي مثله، وَفِي قَوْله (لحُصُول الْقَصْد) إِشَارَة إِلَى دَفعه: يَعْنِي أَن الْمَقْصد معرفَة الْوَضع سَوَاء حصلت بالأخبار أَو بالقرائن كالأطفال (قَالُوا) أَي القَاضِي وَمن تبعه ثَالِثا (لَو نقلت) الْأَسْمَاء عَن مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة إِلَى الشَّرْعِيَّة (كَانَت) الْأَسْمَاء المنقولة إِلَيْهَا (غير عَرَبِيَّة لأَنهم) أَي الْعَرَب (لم يضعوها) على ذَلِك التَّقْدِير، بل الشَّارِع (وَيلْزم أَن لَا يكون الْقُرْآن عَرَبيا) لاشْتِمَاله على غير الْعَرَبِيّ، فَإِن الْمركب من الْعَرَبِيّ وَغَيره لَيْسَ بعربي، وَقد قَالَ الله تَعَالَى - {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} - (أُجِيب بِأَنَّهَا) أَي الْأَسْمَاء المنقولة (عَرَبِيَّة إِذْ وضع الشَّارِع لَهَا ينزلها) ويصيرها (مجازات لغوية) إِذا كَانَ التخاطب بلغَة الْعَرَب فَإِن العلاقة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والشرعي مَوْجُودَة: لِأَن النَّقْل يقتضيها (وَيَكْفِي فِي الْعَرَبيَّة كَون اللَّفْظ مِنْهَا) أَي من الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة للْعَرَب (و) كَون (الِاسْتِعْمَال على شَرطهَا) أَي شَرط الْعَرَبيَّة بِأَن يكون الْمُسْتَعْمل فِيهِ إِمَّا عين الْمَوْضُوع لَهُ، أَو مَا بَينه وَبَين الْمَوْضُوع لَهُ نوع من العلاقات الْمُعْتَبرَة مَعَ وجود الْقَرِينَة الصارفة والمعينة (وَلَو سلم) أَنه لَا يَكْفِي ذَلِك فِي كَونهَا عَرَبِيَّة (لم يخل) كَونهَا غير عَرَبِيَّة (بعربيته) أَي الْقُرْآن (إِمَّا لكَون الضَّمِير) فِي قَوْله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (لَهُ) أَي لِلْقُرْآنِ (وَهُوَ) أَي الْقُرْآن (مِمَّا يصدق الِاسْم) أَي اسْمه (على بعضه) أَي بعض الْقُرْآن (ككله) أَي كَمَا يصدق على كُله (كالعسل) فَإِنَّهُ يصدق على القلل مِنْهُ وَالْكثير حَتَّى لَو حلف لَا يقْرَأ الْقُرْآن فَقَرَأَ جُزْء مِنْهُ حنث، فَيجوز أَن يُرَاد بالضمير بعض الْقُرْآن، وَلَا ريب فِي عربيته (بِخِلَاف) نَحْو (الْمِائَة والرغيف) مِمَّا لَا يُشَارك الْجُزْء الْكل فِي الْحَقِيقَة وَالِاسْم: فَلَا تطلق الْمِائَة والرغيف على بعض مِنْهَا (أَو) لكَون الضَّمِير (للسورة) بِاعْتِبَار الْمنزل، أَو الْمَذْكُور، وَهَذَا إِنَّمَا يتم إِذا لم يكن فِي تِلْكَ السُّورَة اسْم شَرْعِي (وَاعْلَم أَن الْمُعْتَزلَة سموا قسما من) الْحَقَائِق (الشَّرْعِيَّة) حَقِيقَة (دينية وَهُوَ مَا دلّ على الصِّفَات الْمُعْتَبرَة فِي الدّين وَعَدَمه) أَي عدم الدّين (اتِّفَاقًا) أَي اعْتِبَار اتّفق عَلَيْهِ الْمذَاهب (كالإيمان، وَالْكفْر، وَالْمُؤمن) وَالْكَافِر (بِخِلَاف الْأَفْعَال) أَي مَا هِيَ من فروع الدّين كَمَا يتَعَلَّق بالجوارح فَإِن فِي اعْتِبَارهَا فِي الدّين خلافًا (كَالصَّلَاةِ والمصلى وَلَا مشاحة) فِي الِاصْطِلَاح (وَوجه الْمُنَاسبَة) فِي تَسْمِيَة مَا ذكر دينية (أَن الْإِيمَان) على قَوْلهم (الدّين لِأَنَّهُ) أَي الدّين اسْم (لمجموع التَّصْدِيق الْخَاص) بِكُل مَا علم مَجِيئه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ من عِنْد الله ضَرُورَة (مَعَ المأمورات والمنهيات لقَوْله تَعَالَى - {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} - بعد ذكر الْأَعْمَال) أَي قَوْله تَعَالَى - {ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة} - بعد قَوْله - {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين} -

الصفحة 18