كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

(النَّوْع الأول السماوية: أما الصغر فَقبل أَن يعقل) الصَّغِير (كَالْمَجْنُونِ الممتدّ) لانْتِفَاء الْعقل والتمييز: بل فِي أول الْحَال الصَّغِير أدنى من الْمَجْنُون، إِذْ قد يكون للمجنون تَمْيِيز لَا عقل، وَهُوَ عديمهما فَلَيْسَ بِأَهْل للتكليف (فَإِذا عقل تأهل للْأَدَاء) أَهْلِيَّة قَاصِرَة، فَإِذا أدّى شَيْئا مِمَّا لم يجب عَلَيْهِ صَحَّ أَدَاؤُهُ (دون الْوُجُوب) أَي لم يتأهل للْوُجُوب بِمُجَرَّد الْعقل (إِلَّا الْإِيمَان) أَي لم يتأهل لوُجُوب شَيْء من الْوَاجِبَات إِلَّا الْإِيمَان (على مَا تقدم) قَرِيبا من الْخلاف فِيهِ، وَمن قَوْله: وَعَن أبي مَنْصُور الماتريدي والمعتزلة إناطة وجوب الْإِيمَان بِهِ: أَي بِالْعقلِ (وَتقدم وضع الأجزية عَنهُ) كحرمان الْإِرْث بقتْله (وبينونة زَوجته) الْمسلمَة (بِكُفْرِهِ) أَي ردته وإبائه عَن الْإِسْلَام بعد إسْلَامهَا (لَيْسَ جَزَاء، بل لانْتِفَاء أَهْلِيَّته لاستفراش الْمسلمَة) لقَوْله تَعَالَى - {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار لَا هن حل لَهُم وَلَا هم يحلونَ لَهُنَّ} - (كحرمانه الْإِرْث بِهِ) أَي بِكُفْرِهِ (لذَلِك) أَي لانْتِفَاء أَهْلِيَّته للإرث مِنْهُ (لعدم الْولَايَة) الَّتِي هِيَ شَرط لسببية الْإِرْث. قَالَ تَعَالَى - {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي} - وَلَا ولَايَة للْكَافِرِ على الْمُسلم. قَالَ تَعَالَى - {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} - (كالرقيق) أَي كَمَا يحرم المرقوق الْإِرْث وافرا كَانَ الرقّ فِيهِ أَو نَاقِصا لعدم الْولَايَة الَّتِي هِيَ شَرط سَبَبِيَّة اتِّصَال الشَّخْص بِالْمَيتِ بِقرَابَة أَو زوجية، وَإِلَّا فَلَا يكون انْتِفَاء الْإِرْث فيهمَا جَزَاء على فعلهمَا (وَأما الْجُنُون) وَهُوَ اختلال الْعقل بِحَيْثُ يمْنَع جَرَيَان الْأَفْعَال والأقوال على نهجه إِلَّا نَادرا إِمَّا لنُقْصَان جبل عَلَيْهِ دماغه، فَلَا يصلح لقبُول مَا أعدّ لَهُ كعين الأكمه، ولسان الْأَخْرَس: وَهَذَا لَا يرجي زَوَاله، وَإِمَّا لخُرُوج مزاج الدِّمَاغ من الِاعْتِدَال بِسَبَب خلط أَو رُطُوبَة أَو يوسة متناهية، وَهَذَا يعالج، وَإِمَّا باستيلاء الشَّيْطَان وإلقاء الخيالات الْفَاسِدَة إِلَيْهِ. وَقد ينجع فِيهِ الْأَدْوِيَة الإلهية (فينافي شَرط الْعِبَادَات النِّيَّة) لسلبه الِاخْتِيَار (فَلَا تجب) الْعِبَادَات مُطلقًا (مَعَ الممتدّ مِنْهُ مُطلقًا) أَي الْأَصْلِيّ الْمُتَّصِل بِزَمَان الصِّبَا بِأَن جن صَغِيرا فَبلغ مَجْنُونا، والعارضي بِأَن بلغ عَاقِلا ثمَّ جن: أما وجوب الْأَدَاء فلعدم الْقُدْرَة عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا بعقل وَقصد صَحِيح، وَأما الأَصْل فلعدم حكمه وَهُوَ الْأَدَاء وَالْقَضَاء (وَمَا لَا يمتدّ مِنْهُ) حَال كَونه (طارئا) عَلَيْهِ (جعل كالنوم من حَيْثُ أَنه) أَي كلا مِنْهُمَا (عَارض يمْنَع فهم الْخطاب زَالَ قبل الامتداد) الْمُوجب للْحَرج عِنْد إِيجَاب الْقَضَاء (وَلِأَنَّهُ) أَي الْجُنُون (لَا يَنْفِي أصل الْوُجُوب: إِذْ هُوَ) أَي أصل الْوُجُوب مُتَعَلق (بِالذِّمةِ، وَهِي) أَي الذِّمَّة مَوْجُودَة (لَهُ) أَي للمجنون (حَتَّى ورث) من بَينه وَبَينه سَبَب من أَسبَاب الْإِرْث (وَملك) بِمَا هُوَ سَبَب الْملك من مَال أَو حق مَالِي، وَالْملك من بَاب الْولَايَة وَلَا ولَايَة بِدُونِ الذِّمَّة (وَكَانَ أَهلا للثَّواب) لبَقَاء إِسْلَامه بعد الْجُنُون، وَالْمُسلم قد يُثَاب

الصفحة 259