كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَإِن جنّ (كَأَن نوى صَوْم الْغَد فجنّ فِيهِ) أَي فِي الْغَد قبل الْفجْر وَهُوَ على نِيَّته حَال كَونه (ممسكا كُله) أَي كل الْغَد (صحّ) صَوْم الْغَد عَن الْفَرْض (فَلَا يقْضِي) ذَلِك الْيَوْم (لَو أَفَاق بعده) أَي بعد الْغَد، وَالْأَصْل فِيهِ أَن الشَّارِع ألحق الْعَارِض من النّوم وَالْإِغْمَاء بِالْعدمِ فِي حق الْأَدَاء حَيْثُ حكم بِصِحَّة الْفِعْل الْوَاقِع فيهمَا، وعلماؤنا الثَّلَاثَة ألْحقُوا الْعَارِض من الْجُنُون بِالْعدمِ بعد زَوَاله فِي حق الْوُجُوب وَجعلُوا السَّبَب الْمَوْجُود فِيهِ مُعْتَبرا فِي حق إِيجَاب الْقَضَاء بعد زَوَال الْعَارِض (وَصَحَّ إِسْلَامه تبعا) لِأَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا كَالصَّبِيِّ (وَإِنَّمَا يعرض الْإِسْلَام لإسلام زَوجته) أى الْمَجْنُون (على أَبِيه أَو أمّه لصيرورته مُسلما بِإِسْلَامِهِ) أَي إِسْلَام أَحدهمَا، فَإِن أسلم أقرّ على النِّكَاح، وَإِن أَبى فرّق بَينهمَا دفعا للضَّرَر عَن الْمسلمَة (بِخِلَافِهِ) أَي بِخِلَاف إِسْلَام الْمَجْنُون (أَصَالَة) فَإِنَّهُ لَا يَصح مِنْهُ (لعدم رُكْنه) أَي الْإِسْلَام (الِاعْتِقَاد) عطف بَيَان لركنه، وَالْمرَاد من الرُّكْن مَا هُوَ أَعم من الْعين والجزء، وَذَلِكَ لِأَن عقد الْقلب على التَّصْدِيق إِنَّمَا يكون بِالْعقلِ (لَا حجرا) يَعْنِي شرع عدم صِحَة إِسْلَامه لعدم الرُّكْن، لَا لِأَنَّهُ مَحْجُور عَن الْإِيمَان إِذْ هُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ نفع مَحْض (بِخِلَاف) الْإِسْلَام (التبع) أَي التَّابِع لإسلام الْأَبَوَيْنِ فَإِنَّهُ (لَيْسَ) الِاعْتِقَاد فِيهِ (ركنا وَلَا شرطا لَهُ) أَي لِلْإِسْلَامِ التبع (وَإِنَّمَا عرض) على وليه إِذا أسلمت الزَّوْجَة (دفعا للضَّرَر عَنْهَا: إِذْ لَيْسَ لَهُ) أَي للجنون (نِهَايَة مَعْلُومَة) تنْتَظر، فَفِي التَّأْخِير ضَرَر بهَا، مَعَ مَا فِيهِ من الْفساد لقدرة الْمَجْنُون على الْوَطْء وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة: لَيْسَ عرض الْإِسْلَام على وَالِديهِ بطرِيق الْإِلْزَام، بل يعرض لاحْتِمَال أَن تحمله الشَّفَقَة على الْوَلَد على الْإِسْلَام لِئَلَّا يَقع التَّفْرِيق بَينه وَبَين زَوجته (بِخِلَاف الصَّبِي غير الْعَاقِل) إِذا (أسلمت زَوجته لَا يعرض) الْإِسْلَام (على وليه، لِأَن لعقله حدا مَعْلُوما) ينْتَظر وَهُوَ الْبلُوغ: فَإِذا بلغ عرض عَلَيْهِ (وَلَا ينْتَظر بُلُوغه) أَي الصَّبِي الْمَجْنُون لما ذكر (وَيصير) الْمَجْنُون (مُرْتَدا تبعا بارتداد أَبَوَيْهِ (ولحاقهما بِهِ) أَي بالمجنون بدار الْحَرْب (إِذا بلغ مَجْنُونا وهما مسلمان) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يثبت إِسْلَامه تبعا لَهما، فيزول بِزَوَال مَا يتبعهُ. قَالَ الشَّارِح: ثمَّ كَون أَبَوَيْهِ مُسلمين لَيْسَ بِقَيْد، لِأَن إِسْلَام أَحدهمَا وارتداده ولحوقه مَعَه بدار الْحَرْب كَاف فِي ارتداده انْتهى. وَفِيه بحث، فَإِن مفَاد كَلَامه أَمْرَانِ: أَحدهمَا أَن إِسْلَام أَحدهمَا كَاف عِنْد بُلُوغه مَجْنُونا وَهَذَا مُسلم. وَالثَّانِي أَن ارتداد أَحدهمَا أَيْضا كَاف بِشَرْط اللحوق بِهِ وَهُوَ غير مُسلم: إِذْ يجوز إِسْلَام أَحدهمَا عِنْد الْبلُوغ وَإِسْلَام الآخر بعده، فَحِينَئِذٍ إِذا ارتدّ أَحدهمَا وَلحق بِهِ دون الآخر لَا نسلم أَن يحكم بصيرورة الْمَجْنُون مُرْتَدا. هَذَا، ويفيد تَقْيِيد بُلُوغه مَجْنُونا بكونهما مُسلمين حِينَئِذٍ أَنَّهُمَا لَو كَانَا كَافِرين وَقت بُلُوغه بِكفْر أُصَلِّي أَو عارضيّ لم يصر مرتدّا بارتداد أَحدهمَا نظرا إِلَى اعْتِبَار مَفْهُوم

الصفحة 260