كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الْمُخَالفَة فِي الرِّوَايَات وَلَا يخفى عَلَيْك أَنه إِذا كَانَ أَبَوَاهُ على الْكفْر الْأَصْلِيّ حَال بُلُوغه ثمَّ أسلما يصير مُسلما تبعا ثمَّ ارتدّا ولحقا بِهِ يصير مرتدّا أَيْضا تبعا، إِذْ لَا أثر لكَون إسلامهما حَال الْبلُوغ أَو بعده، وَأما إِذا كَانَا على الْكفْر العارضي حَال بُلُوغه فَالْقِيَاس أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ من حَيْثُ الدَّار، لِأَن الحكم بِكُفْرِهِ تبعا من حَيْثُ الْجُنُون مَشْرُوط باللحوق بِهِ، ثمَّ إِذا أسلما ثمَّ ارتدّا ولحقا بِهِ يصير مرتدّا تبعا لتحَقّق الشَّرْط الْمَذْكُور حِينَئِذٍ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر مَفْهُوم الْمُخَالفَة فِي قَوْله (بِخِلَاف مَا إِذا تركاه فِي دَار الْإِسْلَام) لكَونه مُسلما حِينَئِذٍ لظُهُور تَبَعِيَّة الدَّار بِزَوَال تَبَعِيَّة الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كالخلف عَنْهَا (أَو بلغ مُسلما ثمَّ جن) مَعْطُوف على قَوْله تركاه (أَو أسلم عَاقِلا فجن) قبل الْبلُوغ (فارتدّا ولحقا بِهِ) بدار الْحَرْب، لِأَنَّهُ صَار أصلا فِي الْإِيمَان بتقرر رُكْنه فَلَا يتَقَدَّم بالتبعية أَو عرُوض الْجُنُون، ثمَّ وصل بقوله: وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أصل الْوُجُوب قَوْله (إِلَّا أَنه إِذا انْتَفَى الْأَدَاء أَي الْفِعْل) فسره لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن المُرَاد بِهِ مَا يُقَابل الْقَضَاء (تَحْقِيقا) أَي انْتَفَى بِاعْتِبَار نَفسه حَقِيقَة لعدم إِمْكَانه (وتقديرا) أَي بِاعْتِبَار بدله (بِلُزُوم الْحَرج فِي الْقَضَاء وَتقدم وَجهه) حَيْثُ قَالَ: والتكليف رَحْمَة، والحرج طَرِيق التّرْك فَلم يتَعَلَّق ابْتِدَاء بِمَا فِيهِ حرج فضلا من الله تَعَالَى (انْتَفَى) أصل الْوُجُوب (لانْتِفَاء فَائِدَته) من الْأَدَاء وَالْقَضَاء (وَكَذَا) الْجُنُون (الْأَصْلِيّ عَن مُحَمَّد) رَحمَه الله حكمه حكم الممتدّ من الْجُنُون الطَّارِئ فَلم يفرق فِي الْأَصْلِيّ بَين الممتدّ وَغَيره فِي الْإِسْقَاط كَمَا فرّق فِي الطَّارِئ بَينهمَا بالإسقاط وَعَدَمه (إناطة للإسقاط بِكُل من الامتداد والأصالة) فِي الْهِدَايَة، وَهَذَا مُخْتَار بعض الْمُتَأَخِّرين. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة: مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْجِرْجَانِيّ والزاهد الصفار وَالْإِمَام الرستغفنى (وَخَصه) أَي الْإِسْقَاط (أَبُو يُوسُف بالامتداد) فأسقط بالممتدّ مِنْهُمَا دون غَيره، وَقيل هُوَ ظَاهر الرِّوَايَة، ثمَّ الْخلاف على هَذَا الْوَجْه فِي الْمَبْسُوط وَغَيره (وَقيل الْخلاف على الْقلب) وَهُوَ الْمَذْكُور فِي أصُول فَخر الْإِسْلَام وكشف الْمنَار، وَمَشى عَلَيْهِ المُصَنّف فِي فتح الْقَدِير، نقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن وَجه التَّسْمِيَة بَين الْأَصْلِيّ والعارضي أَن الأَصْل فِي الْجُنُون الْحُدُوث: إِذْ السَّلامَة عَن الْآفَات هِيَ الأَصْل فِي الجبلة فَتكون أَصَالَة الْجُنُون أمرا عارضا، فَيلْحق بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجُنُون الطَّارِئ، وَأَن زَوَال الْجُنُون بعد الْبلُوغ دلّ على أَن حُصُوله كَانَ لعَارض على أصل الْخلقَة، لَا لنُقْصَان جبل عَلَيْهِ دماغه فَكَانَ مثل الطَّارِئ، وَوجه التَّفْرِقَة أَن الطريان بعد الْبلُوغ رجح الْعرُوض فَجعل عفوا عِنْد عدم الامتداد إِلْحَاقًا بِسَائِر الْعَوَارِض، بِخِلَاف مَا إِذا بلغ مَجْنُونا فَزَالَ فَإِن حكمه حكم الصَّغِير فَلَا يُوجب قَضَاء مَا مضى، وَأَن الْأَصْلِيّ يكون لآفة فِي الدّماغ مَانِعَة من قبُول الْكَمَال، فَيكون أمرا أَصْلِيًّا لَا يقبل اللحاق بِالْعدمِ، والطارئ قد اعْترض على مَحل كَامِل للحوق آفَة فَيلْحق

الصفحة 261