كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الْمَلَائِكَة فَيَقُول: انْظُرُوا لعبدي روحه عِنْدِي، وَجَسَده بَين يديّ ": رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كَذَا قَالَ الشَّارِح (وَعَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تفْسد الْوضُوء لَا الصَّلَاة) وَتقدم وَجه كل (فيتوضأ) الْمصلى المقهقه فِي صلَاته نَائِما (وَيَبْنِي) مَا بَقِي من صلَاته على مَا أدّاه قبله، (وَقيل عَكسه) أَي تفْسد صلَاته لَا وضوؤه وَهُوَ الْمَذْكُور فِي عَامَّة الْفَتَاوَى: وَفِي الْخُلَاصَة هُوَ الْمُخْتَار وَوَافَقَهُ المُصَنّف بقوله (وَهُوَ أقرب عِنْدِي لِأَن جعلهَا) أَي القهقهة (حَدثا للجناية وَلَا جِنَايَة من النَّائِم) لعدم الْقَصْد (فبقى) القهقهة، التَّذْكِير بِاعْتِبَار الضحك وَالْفِعْل (كلَاما) حَقِيقَة أَن تبين فِيهَا حُرُوف، أَو حكما إِن لم يتَبَيَّن (بِلَا قصد فتفسد) الصَّلَاة بِهِ (كالساهي) أَي كَصَلَاة الساهي (بِهِ) أَي بالْكلَام.
(وَأما الْإِغْمَاء فآفة فِي الْقلب أَو الدِّمَاغ) على سَبِيل منع الخلوّ (تعطل القوى المدركة والمحركة عَن أفعالها مَعَ بَقَاء الْعقل مَغْلُوبًا) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ينبعث عَن الْقلب بخار لطيف يتكون من ألطف أَجزَاء الأغذية يُسمى روحا حيوانيا، وَقد أفيضت عَلَيْهِ قُوَّة تسري بسريانه فِي الأعصاب السارية وأعضاء الْإِنْسَان، فتثير فِي كل عُضْو قُوَّة تلِيق بِهِ وَيتم بهَا مَنَافِعه، وَهِي تَنْقَسِم إِلَى مدركة: وَهِي الْحَواس الظَّاهِرَة والباطنة، ومحركة وَهِي تحرّك الْأَعْضَاء بتمديد الأعصاب وإرخائها لتنبسط إِلَى الْمَطْلُوب أَو تنقبض عَن الْمنَافِي، فَمِنْهَا مَا هِيَ مبدأ الْحَرَكَة إِلَى جلب الْمَنَافِع وَتسَمى قُوَّة شهوانية، وَمِنْهَا مَا هِيَ مبدأ الْحَرَكَة إِلَى دفع المضارّ وَتسَمى قُوَّة عصبية، وَأكْثر تعلق المدركة بالدماغ والمحركة بِالْقَلْبِ، فَإِذا وَقعت فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب آفَة بِحَيْثُ تتعطل تِلْكَ القوى عَن أفعالها وَإِظْهَار آثارها كَانَ ذَلِك إِغْمَاء (وَإِلَّا) أَي وَلَو لم يكن الْعقل بَاقِيا مَغْلُوبًا فِي الْإِغْمَاء (عصم مِنْهُ الْأَنْبِيَاء) كَمَا عصموا من الْجُنُون، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاع (وَهُوَ) أَي الْإِغْمَاء (فَوق النّوم) فِي سلب الِاخْتِيَار وتعطل القوى: وَلذَا يمْتَنع فِيهِ التَّنْبِيه، بِخِلَاف النّوم لغلظ مواد الْإِغْمَاء ولطف الأبخرة المتصاعدة إِلَى الدِّمَاغ الْمُوجبَة للنوم وَسُرْعَة تحللها، فَلهُ أَن يُنَبه بِأَدْنَى تَنْبِيه (فَلَزِمَهُ) أَي الْإِغْمَاء (مَا لزمَه) أَي النّوم من تَأْخِير الْخطاب وَإِبْطَال الْعِبَادَات بطرِيق أولى (وَزِيَادَة كَونه) أَي الْإِغْمَاء عطف على الْمَوْصُول (حَدثا وَلَو) حدث (فِي جَمِيع حالات الصَّلَاة) من قيام وركوع وَسُجُود واضطجاع لزوَال المسكة على وَجه الْكَمَال على كل حَال (وَمنع الْبناء) أَي بِنَاء مَا بَقِي من الصَّلَاة بعد الْإِفَاقَة على مَا قبله إِذا وَقع فِي خلالها (بِخِلَاف النّوم فِي الصَّلَاة مُضْطَجعا) بِأَن غَلبه فاضطجع وَهُوَ نَائِم (لَهُ الْبناء) إِذا تَوَضَّأ، بِمَنْزِلَة مَا لَو سبقه الْحَدث، وَذَلِكَ لكَون الْإِغْمَاء نَادرا، بِخِلَاف النّوم فَإِنَّهُ كثير الْوُقُوع، وَالنَّص الْوَارِد فِي جَوَاز الْبناء إِنَّمَا ورد فِي الحَدِيث الْغَالِب الْوُقُوع، وَقيد بالاضطجاع لِأَن نوم الْمُصَلِّي غير مُضْطَجع لَا ينْقض الْوضُوء. هَذَا وَالْإِغْمَاء إِذا زَاد على يَوْم وَلَيْلَة بِاعْتِبَار الْأَوْقَات عِنْد أبي حنيفَة

الصفحة 266