كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله، وَبِاعْتِبَار الصَّلَوَات عِنْد مُحَمَّد يسْقط بِهِ الصَّلَوَات اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْجُنُون. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا استوعب وَقت الصَّلَاة سقط، بِخِلَاف النّوم. وَفِي الْمُحِيط: لَو شرب حَتَّى ذهب عقله أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لَا يسْقط عَنهُ الْقَضَاء مَتى كثر، لِأَنَّهُ حصل بِمَا هُوَ مَعْصِيّة، فَلَا يُوجب التَّخْفِيف والترفيه انْتهى. وَفِيه: لَو شرب البنج والدواء حَتَّى أُغمي عَلَيْهِ، قَالَ مُحَمَّد: هُوَ يسْقط عَنهُ الْقَضَاء مَتى كثر لِأَنَّهُ حصل بِمَا هُوَ مُبَاح فَصَارَ كَمَا لَو أُغمي عَلَيْهِ بِمَرَض، وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله: يلْزمه الْقَضَاء لِأَن النَّص ورد فِي إِغْمَاء حصل بِآفَة سَمَاوِيَّة وَهَذَا بصنع العَبْد، وَلَو أُغمي عَلَيْهِ لفزع من سبع أَو آدَمِيّ أَكثر من يَوْم وَلَيْلَة لَا يلْزمه الْقَضَاء بِالْإِجْمَاع، ثمَّ هَذَا إِذا لم يفق الْمغمى عَلَيْهِ أصلا فِي هَذِه الْمدَّة، فَإِن كَانَ يفِيق سَاعَة ثمَّ يعاوده لم يذكرهُ مُحَمَّد، وَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا إِن كَانَ لإفاقته وَقت مَعْلُوم فَهِيَ إفاقة مُعْتَبرَة تبطل حكم مَا قبلهَا من الْإِغْمَاء، وَثَانِيهمَا أَن لَا يكون لَهَا وَقت مَعْلُوم بل يفِيق بَغْتَة فيتكلم بِكَلَام الأصحاء، ثمَّ يغمى عَلَيْهِ بَغْتَة فَهِيَ غير مُعْتَبرَة، كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
(وَأما الرّق) فَهُوَ لُغَة الضعْف، وَمِنْه صَوت رَقِيق، وَأما فِي الشَّرْع (فعجز حكمي عَن الْولَايَة وَالشَّهَادَة وَالْقَضَاء ومالكية المَال) والتزوج وَغَيرهَا (كَائِن عَن جعله) أَي الرَّقِيق (شرعا عرضة) أَي محلا مَنْصُوبًا متهيئا (للتَّمَلُّك والابتذال) أَي الامتهان، وَإِنَّمَا قَالَ حكمي لعدم الْعَجز الْحَقِيقِيّ، بل الرَّقِيق فِي الْغَالِب أقوى من الْحر فِي القوى الحسية، ثمَّ هُوَ حق الله ابْتِدَاء يثبت جَزَاء للكفر، إِذْ الْكفَّار باستنكافهم عَن عبَادَة الله ألْحقُوا بالبهائم فِي عدم النّظر فِي الْآيَات الدَّالَّة على التَّوْحِيد فَجعلُوا عبيد عبيده، وَلِهَذَا لَا يثبت على الْمُسلم ابْتِدَاء ثمَّ صَار حَقًا للْعَبد من غير نظر إِلَى معنى الْجَزَاء وجهة الْعقُوبَة فَلَا يرْتَفع الرّقّ وَإِن أسلم (فَلَا يتَجَزَّأ الرّقّ) تَفْرِيع على كَونه عَجزا كَمَا ذكر إِذْ التجزئة تَقْتَضِي أَن لَا يكون الْبَعْض مِنْهُ عَاجِزا فَيحصل لَهُ تِلْكَ الولايات كَمَا سيشير إِلَيْهِ، ثمَّ أَنه قَالَ غير وَاحِد من الْمُتَأَخِّرين، بِاتِّفَاق أَصْحَابنَا: وَيشكل بقول مُحَمَّد بن سَلمَة يحْتَمل التجزي ثبوتا حَتَّى لَو فتح الإِمَام بَلْدَة وَرَأى الصَّوَاب فِي استرقاق أَنْصَافهمْ نفذ ذَلِك، وَالأَصَح الأول (لِاسْتِحَالَة قُوَّة الْبَعْض الشَّائِع) من الْمحل الْحَاصِل على تَقْدِير التجزئة بِمَعْنى عدم عَجزه عَمَّا ذكرنَا (باتصافه) أَي الْبَعْض الشَّائِع (بِالْولَايَةِ والمالكية، فَكَذَا ضِدّه) أَي الرّقّ (وَهُوَ الْعتْق) لَا يتَجَزَّأ أَيْضا اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) لَو تجزأ الْعتْق (تجزأ) الرّقّ، لِأَنَّهُ إِذا ثَبت الْعتْق فِي بعض الْمحل فالبعض الآخر أَن عتق فَلَا تجزأ وَهُوَ خلاف الْمَفْرُوض وَإِن لم يعْتق لزم الْمحَال الْمَذْكُور (وَكَذَا الْإِعْتَاق عِنْدهمَا) لَا يتَجَزَّأ فَإِذا أعتق نصف عَبده عتق كُله (وَإِلَّا) لَو تجزأ بِأَن يتَحَقَّق إِعْتَاق النّصْف بِدُونِ النّصْف الآخر، وَالْمُعتق لَا يتَجَزَّأ اتِّفَاقًا (ثَبت المطاوع) بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ إِعْتَاق الْبَعْض (بِلَا مُطَاوع)

الصفحة 267