كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

(وَصِحَّة إِقْرَاره) أَي الْمولى (عَلَيْهِ) أَي العَبْد بدين (لملك مَالِيَّته) أَي العَبْد (كإقرار الْوَارِث) على مُوَرِثه بِالدّينِ (فَهُوَ) أَي إِقْرَار الْمولى على عَبده (إِقْرَار على نَفسه بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا حجر) العَبْد (عَنهُ) أَي عَن التَّصَرُّف مَعَ قيام الْأَهْلِيَّة (لحق الْمولى) لِأَن الدّين إِذا وَجب فِي الذِّمَّة يتَعَلَّق بمالية العَبْد وَالْكَسْب فيستوفي مِنْهُمَا، وهما ملك الْمولى، فَلَا يتَحَقَّق بِدُونِ رِضَاهُ، فَإِذا أذن رَضِي بِسُقُوط حَقه (فإذنه فك الْحجر وَرفع الْمَانِع) من التَّصَرُّف لَا إِثْبَات أَهْلِيَّة التَّصَرُّف لَهُ (كَالنِّكَاحِ) تَمْثِيل لأهلية التَّصَرُّف، فَينْعَقد أصل العقد إِذا تزوج مَوْقُوفا على إِذن الْمولى فَامْتنعَ نفاذه لحق الْمولى (فيتصرف) بعد الْإِذْن (بأهليته لَا إنابة) عَن الْمولى حَتَّى تكون يَده فِي أكسابه يَد نِيَابَة كَالْمُودعِ (كالشافعي) أَي كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَو كَانَ أَهلا للتصرّف لَكَانَ أَهلا للْملك، لِأَن التصرّف وَسِيلَة إِلَيْهِ وَسبب لَهُ، والمسبب لم يشرع إِلَّا لحكمه، وَاللَّازِم بَاطِل إِجْمَاعًا، وَإِذا لم يكن أَهلا للتصرّف لم يكن أَهلا لاسْتِحْقَاق الْيَد: كَذَا ذكره الشَّارِح، وَكَلَام المُصَنّف كَمَا سَيَأْتِي يدلّ على أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يَقُول: إِن ملك التَّصَرُّف لَا يُسْتَفَاد إِلَّا من ملك الرَّقَبَة. وَقد يُقَال لَا مُنَافَاة بَينهمَا لجَوَاز تَأَخّر صِحَة التَّصَرُّف عَن ملك مَعَ تقدمه على ملك آخر: أَلا ترى أَنَّك لَا تملك البيع إِلَّا بعد ملك الْمَبِيع، ثمَّ إِن البيع سَبَب ملك الْبَدَل غير أَنه يرد عَلَيْهِ أَنه لَا تَنْحَصِر فَائِدَة التَّصَرُّف فِي كَونه وَسِيلَة للْملك حَتَّى يلْزم من اعْتِبَاره الخلوّ من الْفَائِدَة ثمَّ أَفَادَ ثَمَرَة الِاخْتِلَاف بقوله (فَلَو أذن) الْمولى (فِي نوع) من التِّجَارَة (كَانَ لَهُ التَّصَرُّف مُطلقًا) أَي فِي كل أَنْوَاعهَا (وَتثبت يَده) أَي العَبْد (على كَسبه كَالْمكَاتبِ وَإِنَّمَا ملك) الْمولى (حجره) أَي الْمَأْذُون لَا الْمكَاتب (لِأَنَّهُ) أَي فك الْحجر فِي الْمَأْذُون (بِلَا عوض) فَلَا يكون لَازِما كَالْهِبَةِ (بِخِلَاف الْكِتَابَة) فَإِنَّهَا بعوض فَتكون لَازِمَة كَالْبيع: وَهَذَا عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة لرفع الْمَانِع من التَّصَرُّف، وَهُوَ الْحجر مَعَ أَهْلِيَّته للتصرّف، وَالتَّقْيِيد بِنَوْع من التِّجَارَة حِينَئِذٍ لَغْو، وَلقَائِل أَن يَقُول: سلمنَا أَن الْمَانِع من التصرّف الْحجر لَا غير، لَكِن لَا نسلم ارْتِفَاع الْحجر مُطلقًا بِالْإِذْنِ فِي نوع مِنْهَا لجَوَاز أَن يعلم الْمولى عدم صلاحيته لسَائِر الْأَنْوَاع وَلَا يرضى بِرَفْع الْحجر عَنهُ فِيهَا. وَقَالَ زفر وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله: يخْتَص بِمَا أذن فِيهِ، لِأَن تصرفه لما كَانَ بطرِيق النِّيَابَة عَنهُ اقْتصر على مَا أذن فِيهِ كَالْوَكِيلِ، ثمَّ للمشايخ فِي ثُبُوت ملك الرَّقَبَة فِي أكسابه للْمولى طَرِيقَانِ: أَحدهمَا أَن تصرفه يُفِيد ثُبُوت ملك الْيَد لَهُ وَثُبُوت ملك الرَّقَبَة لمَوْلَاهُ ابْتِدَاء ثَانِيهمَا أَنه يُفِيد ثُبُوت كليهمَا لَهُ، ثمَّ يسْتَحق الْمولى ملك الرَّقَبَة خلَافَة عَن العَبْد لعدم أَهْلِيَّته لَهَا، كَذَا ذكره الشَّارِح، وَزعم أَن المُصَنّف مَشى على الثَّانِي بقوله (وَثُبُوت الْملك للْمولى فِيمَا يَشْتَرِيهِ) العَبْد (ويصطاده ويتهبه لخلافته) أَي الْمولى (عَنهُ) أَي العَبْد (لعدم أَهْلِيَّته) لملك الرَّقَبَة.

الصفحة 274