كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

بِمَال لِأَنَّهُ) أَي بدله (صلَة) لما أَمر الله أَن يُوصل، فَقطع بِالْجِنَايَةِ، وَالرَّقِيق لَا يملك الصلات لِأَنَّهَا من بَاب الْكَرَامَة وَهُوَ عرضة للتَّمَلُّك والابتذال (فَلم يجب عَلَيْهِ دِيَة فِي جِنَايَته خطأ) لِأَنَّهَا بدل الدَّم وَهُوَ لَيْسَ بِمَال، وَإِنَّمَا يجب صلَة فِي حق الْجَانِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَهبهُ ابْتِدَاء، وَلذَا لَا يملك إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَا تجب فِيهِ الزَّكَاة إِلَّا بحول بعده، وَلَا تصح الْكفَالَة بِهِ وَلَا عَاقِلَة لَهُ ليجب ب عَلَيْهِم (لَكِن لما لم يهدر الدَّم صَارَت رقبته جَزَاء) قَائِمَة مقَام الْأَرْش، فَلَا يكون الِاسْتِحْقَاق على العَبْد (إِلَّا أَن يخْتَار الْمولى فدَاء فَيلْزمهُ) أَي الْفِدَاء الْمولى (دينا) فِي ذمَّته (فَلَا يبطل) اخْتِيَاره الْفِدَاء (بالإفلاس) حَتَّى أَنه لَا يعود تعلق حق ولي الْجَنَابَة فِي رَقَبَة العَبْد إِذا لم يكن للْمولى مَا يُؤَدِّيه (عِنْده) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله (فَلَا يجب) على الْمولى بِسَبَب الافلاس (الدّفع) للْعَبد إِلَى ولي الْجِنَايَة (وَعِنْدَهُمَا اخْتِيَاره) أَي الْمولى الْفِدَاء (كالحوالة كَأَنَّهُ) أَي العَبْد (أحَال على مَوْلَاهُ) بِالْأَرْشِ: إِذْ الأَصْل أَن يصرف إِلَى جِنَايَته كالعمد فاختيار الْفِدَاء نقل من الأَصْل إِلَى الْعَارِض كَمَا فِي الْحِوَالَة (فَإِذا لم يسلم) الْأَرْش إِلَى وليّ الْجِنَايَة (عَاد حَقه فِي الدّفع) الَّذِي هُوَ الأَصْل وَأجِيب بِمَنْع كَونه الأَصْل، بل الأَصْل هُوَ الْأَرْش الثَّابِت فِيهَا بقوله تَعَالَى - {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة} - الْآيَة: وصير إِلَى الدّفع ضَرُورَة، فَإِن العَبْد لَيْسَ بِأَهْل للصلات. وَقد ارْتَفَعت الضَّرُورَة بِاخْتِيَار الْمولى الْفِدَاء، وَلَا يُقَال قد يجب على العَبْد ضَمَان مَا لَيْسَ بِمَال: إِذْ الْمهْر يجب فِي ذمَّته بِمُقَابلَة ملك النِّكَاح أَو مَنْفَعَة الْبضْع، فَالْجَوَاب مَا أَفَادَ بقوله (وَوُجُوب الْمهْر لَيْسَ ضمانا) إِذْ لَا تلف وَلَا صلَة (بل) يجب (عوضا عَمَّا اسْتَوْفَاهُ من الْملك أَو الْمَنْفَعَة. وَأما الْمَرَض) وَهُوَ مَا يعرض الْبدن فيخرجه عَن الِاعْتِدَال الْخَاص، وَقد يُقَال: هِيَ حَالَة غير طبيعية فِي بدن الْإِنْسَان تكون بِسَبَبِهَا الْأَفْعَال الطبيعية والنفسانية والحيوانية غير مسلمة (فَلَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الحكم) سَوَاء كَانَ من حُقُوق الله أَو الْعباد (و) أَهْلِيَّة (الْعبارَة) أَي التَّصَرُّفَات الْمُتَعَلّقَة بالحكم (إِذْ لَا خلل فِي الذِّمَّة وَالْعقل) اللَّذين هما منَاط الْأَحْكَام (و) لَا فِي (النُّطْق) الَّذِي يَصح بِهِ مَا يتَعَلَّق بالعبارة بعد الْعقل والذمة كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاق، وَالْبيع، وَالشِّرَاء وَغَيرهمَا (لكنه) أَي الْمَرَض (لما فِيهِ من الْعَجز شرعت الْعِبَادَات فِيهِ على) قدر (المكنة) حَتَّى شرع لَهُ الصَّلَاة (قَاعِدا) إِذا عجز عَن الْقيام: إِمَّا بِانْتِفَاء الْقُوَّة أَو بازدياد الْمَرَض (ومضطجعا) إِذا عجز عَنْهُمَا (وَلما كَانَ الْمَوْت عِلّة الْخلَافَة) للْوَارِث والغريم فِي مَال الْمَيِّت، لِأَن أَهْلِيَّة الْملك لَا تبطل بِالْمَوْتِ فيخلفه أقرب النَّاس إِلَيْهِ، والذمة تخرت بِهِ فَيصير المَال الَّذِي هُوَ مَحل قَضَاء الدّين مَشْغُولًا بِالدّينِ فيخلفه الْغَرِيم فِي المَال (وَهُوَ) أَي الْمَرَض (سَببه) أَي الْمَوْت لما فِيهِ من ترادف الآلام، وَضعف القوى فيفضي إِلَى مُفَارقَة الرّوح الْجَسَد (كَانَ) الْمَرَض (سَبَب تعلق حق الْوَارِث

الصفحة 277