كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

من الثُّلُث (وَلذَا) أَي لبُطْلَان الْوَصِيَّة شُبْهَة (لم يَصح إِقْرَاره) أَي الْمَرِيض (بِاسْتِيفَاء دينه من الْوَارِث وَإِن لزمَه) أَي دين الْوَارِث (فِي صِحَّته وَهِي) أَي صِحَّته (حَال عدم التُّهْمَة فَكيف بِهِ) أَي بِالْإِقْرَارِ باستيفائه (إِذا ثَبت) لُزُومه للْوَارِث (فِي الْمَرَض) وَهُوَ حَال التُّهْمَة، فالإقرار بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَرَض كَالْإِقْرَارِ بِالدّينِ لِأَنَّهُ يُصَادف محلا مَشْغُولًا بِحَق الْوَرَثَة، وَعَن أبي يُوسُف رَحمَه الله إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء دين كَانَ لَهُ على الْوَارِث حَال الصِّحَّة يجوز لِأَن الْوَارِث لما عَامله فِي الصِّحَّة اسْتحق بَرَاءَة ذمَّته عِنْد إِقْرَاره باستيفائه مِنْهُ فَلَا يتَعَيَّن ذَلِك الِاسْتِحْقَاق بمرضه، أَلا ترى أَنه لَو كَانَ على الْأَجْنَبِيّ فَأقر باستيفائه فِي مَرضه كَانَ صَحِيحا فِي حق الْغُرَمَاء الصِّحَّة وَأجِيب بِأَن الْمَنْع لحق غُرَمَاء الصِّحَّة، وَهُوَ عِنْد الْمَرَض لَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، بل بِمَا يُمكن اسْتِيفَاء دينهم مِنْهُ فَلم يُصَادف إِقْرَاره محلا تعلق حَقهم بِهِ، وَفِيه مَا فِيهِ (وَأما الْحيض) وَهُوَ مانعية شَرْعِيَّة بِسَبَب دم من الرَّحِم لَا بِوِلَادَة عَمَّا اشْترط فِيهِ الطَّهَارَة وَعَن الصَّوْم وَدخُول الْمَسْجِد والقربان إِن كَانَ مُسَمَّاهُ حَدثا وَنَفس الدَّم الْمَذْكُور إِن كَانَ مُسَمَّاهُ خبثا (وَالنّفاس) وَهُوَ مانعية شَرْعِيَّة بِسَبَب الدَّم من الرَّحِم عَن الْولادَة عَمَّا ذكر، أَو الدَّم الْمَذْكُور (فَلَا يسقطان أَهْلِيَّة الْوُجُوب وَلَا الْأَدَاء) لعدم إخلالهما بِالذِّمةِ وَالْعقل وقدرة الْبدن (إِلَّا أَنه ثَبت أَن الطَّهَارَة عَنْهُمَا شَرط) أَدَاء (الصَّلَاة) بِالسنةِ كَمَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " قَالَ للنِّسَاء أَلَيْسَ شَهَادَة الْمَرْأَة مثل نصف شَهَادَة الرجل؟ قُلْنَ بلَى، قَالَ فَذَلِك من نُقْصَان عقلهَا، أَلَيْسَ إِذا حَاضَت لم تصلّ وَلم تصم؟ قُلْنَ بلَى، قَالَ فَذَلِك من نُقْصَان دينهَا، وبالإجماع (على وفْق الْقيَاس) لِكَوْنِهِمَا من الأنجاس أَو الْأَحْدَاث وَالطَّهَارَة مِنْهُمَا شَرط لَهَا (و) شَرط أَدَاء (الصَّوْم على خِلَافه) أَي الْقيَاس لتأديه مَعَ النَّجَاسَة وَالْحَدَث الْأَصْغَر والأكبر بِلَا خلاف بَين الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة (ثمَّ انْتَفَى وجوب قَضَاء الصَّلَاة) عَلَيْهِمَا (للْحَرج) لدخولها فِي حد الْكَثْرَة، لِأَن أقل مُدَّة الْحيض عِنْد أَصْحَابنَا ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها أَو يَوْمَانِ وَأكْثر الثَّالِث كَمَا عَن أبي يُوسُف رَحمَه الله، وَمُدَّة النّفاس فِي الْعَادة أَكثر من مُدَّة الْحيض، وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام، وَأَقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا فقد يَقع فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ فيستوفي نصفه، وَالصَّلَاة تجب فِي جَمِيع السّنة (دون الصَّوْم) أَي لم ينتف وجوب قَضَائِهِ عَلَيْهَا لعدم الْحَرج لِأَن الْحيض لَا يستوعب الشَّهْر، وَالنّفاس ينْدر فِيهِ (كَمَا مر) فِي الْفَصْل الَّذِي قبل هَذَا من قَوْله وَلعدم حكم الْوُجُوب من الْأَدَاء لم تجب الصَّلَاة على الْحَائِض لانْتِفَاء الْأَدَاء شرعا وَالْقَضَاء للْحَرج والتكليف للرحمة، والحرج طَرِيق التّرْك، بِخِلَاف الصَّوْم فَيثبت لفائدة الْقَضَاء وَعدم الْحَرج، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ يصيبنا ذَلِك، تَعْنِي الْحيض فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة، وَعَلَيْهِمَا إِجْمَاع الْأمة، ثمَّ بَقِي أَن يُقَال (فَانْتفى) وجوب أَدَاء

الصفحة 280