كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الصَّوْم عَلَيْهِمَا فِي الْحَالَتَيْنِ (أَولا) فِيهِ (خلاف) بَين الشَّافِعِيَّة فَقيل يجب، نَقله السُّبْكِيّ رَحمَه الله عَن أَكثر الْفُقَهَاء لتحَقّق الْأَهْلِيَّة وَالسَّبَب وَهُوَ شُهُود الشَّهْر وَلِأَنَّهُ يجب عَلَيْهِمَا الْقَضَاء بِقدر مَا فَاتَ فَكَانَ المأتيّ بِهِ بَدَلا عَن الْفَائِت، وَقيل لَا يجب، وَذكر مُتَأَخّر أَنه الْأَصَح عِنْد الْجُمْهُور لانْتِفَاء شَرطه وَهُوَ الطَّهَارَة، وشهود الشَّهْر مُوجب عِنْد انْتِفَاء الْعذر لَا مُطلقًا وَوُجُوب الْقَضَاء يتَوَقَّف على سَبَب الْوُجُوب وَهُوَ شُهُود الشَّهْر، لَا على وجوب الْأَدَاء: وَإِلَّا لما وَجب قَضَاء الصَّلَاة على من نَام جَمِيع وَقتهَا، وَأما على أَنه سَبَب جَدِيد فأظهر إِذْ لَا يَسْتَدْعِي وجوبا سَابِقًا فَلَا يتَوَقَّف وُجُوبه على وجوب الْأَدَاء وَأورد عَلَيْهِ أَنه يلْزم أَن لَا يُسمى قَضَاء لعدم اسْتِدْرَاك مَا فَاتَ من الْوُجُوب وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا ينْحَصر وَجه التَّسْمِيَة فِيمَا ذكر، بل يَكْفِي فِيهِ اسْتِدْرَاك مصلحَة مَا انْعَقَد بِسَبَب وُجُوبه وَلم يجب لمَانع، وَلذَا قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله (والانتفاء أَقيس) لِأَن الْأَدَاء حَالَة الْحيض حرَام منهيّ عَنهُ فَلَا يكون وَاجِبا مَأْمُورا بِهِ للتنافي بَينهمَا (وَأما الْمَوْت) عزى إِلَى أهل السّنة أَنه صفة وجودية مضادة للحياة كَمَا هُوَ ظَاهر قَوْله تَعَالَى - {خلق الْمَوْت والحياة} - وَإِلَى الْمُعْتَزلَة أَنه عدم الْحَيَاة عَمَّا من شَأْنه، وَأَن الْخلق فِي الْآيَة بِمَعْنى التَّقْدِير، ثمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمِ مَحْض، وَلَا فنَاء صرف، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاع تعلق الرّوح بِالْبدنِ ومفارقته وتبدل حَال وانتقال من دَار إِلَى دَار (فَيسْقط بِهِ) عَن الْمَيِّت (الْأَحْكَام الأخروية). قَالَ الشَّارِح: وَهَذَا سَهْو وَالصَّوَاب كَمَا فِي عَامَّة الْكتب الدُّنْيَوِيَّة انْتهى، حكم بالسهو وَالْخَطَأ من غير أَن يحوم حول مُرَاده وَلم يدر أَن مَا وصفوه بالدنيوية هُوَ بِعَيْنِه مَا وَصفه المُصَنّف بالأخروية، غير ان هَذَا التَّعْبِير أولى، وَذَلِكَ لِأَن الْأَحْكَام تعم الْأَوَامِر والنواهي وَمَا يجب لَهُ على الْغَيْر وَعَكسه من الْحُقُوق الْمَالِيَّة والمظالم إِلَى غير ذَلِك، فَمِنْهَا مَا الْمَقْصُود مِنْهُ الْعَمَل لقصد الْقرْبَة وَلَا شكّ فِي سُقُوطه للعجز الْكُلِّي وَسَماهُ الْمَشَايِخ رَحِمهم الله دنيويا نظرا إِلَى أَن الْإِتْيَان بِهِ فِي دَار الدُّنْيَا، وَالْمُصَنّف رَحمَه الله أخرويا نظرا إِلَى أَن فَائِدَته تظهر فِي دَار الْآخِرَة وَالنَّظَر إِلَى الْعَاقِبَة أولى، فَالَّذِي يفهم بطرِيق الْمُقَابلَة إِنَّمَا هُوَ كَون الْحُقُوق الْمَالِيَّة وَنَحْوهَا دنيوية وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن وَالله سُبْحَانَهُ أعلم (التكليفية) يَعْنِي بالخطابات الْمُتَعَلّقَة بِفعل الْمُكَلف اقْتِضَاء بِخِلَاف الأخروية الَّتِي هِيَ غَيرهَا كاستحقاق الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَإِنَّهَا لَا تسْقط (كَالزَّكَاةِ وَغَيرهَا) من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْحج إِلَى غير ذَلِك لِأَن التَّكْلِيف فرع الْقُدْرَة، وَلَا عجز فَوق الْعَجز بِالْمَوْتِ (إِلَّا) فِي حق (الْإِثْم) بالتقصير فِي فعلهَا حَال حَيَاته، فَإِن الحكم الأخروي بِهَذَا الِاعْتِبَار لَا يسْقط عَنهُ (وَمَا شرع عَلَيْهِ) أَي الْمَيِّت (لحَاجَة غَيره فَإِنَّهُ) كَانَ ذَلِك الشُّرُوع (حَقًا مُتَعَلقا بِعَين) من تركته (بَقِي) ذَلِك الْحق فِي تِلْكَ الْعين (ببقائها كالأمانات والودائع والغصوب لِأَن الْمَقْصُود) من شرع هَذَا النَّوْع من الْحق (حُصُوله) أَي ذَلِك الشَّيْء الْمعِين (لصحابه لَا الْفِعْل)

الصفحة 281