كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

لَا يحْتَمل الْفَسْخ: فَلَا يجوز رُجُوعه عَن تَعْلِيق الْعتْق بِهِ للزومه، وَصَحَّ فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لِأَن التَّعْلِيق يحْتَمل الْفَسْخ (فَلم يجز بَيْعه) أَي الْمُدبر الْمُطلق عِنْد الْحَنَفِيَّة والمالكية: بل قَالَ القَاضِي عِيَاض هُوَ قَول كَافَّة الْعلمَاء وَالسَّلَف من الْحِجَازِيِّينَ والكوفيين والشاميين (خلافًا لِأَحْمَد وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ) أَي التَّدْبِير الْمُطلق (وَصِيَّة وَالْبيع رُجُوع) عَنْهَا وَالرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة جَائِز (وَالْحَنَفِيَّة فرقوا بَينه) أَي التَّدْبِير الْمُطلق (وَبَين سَائِر التعليقات بِالْمَوْتِ بِأَنَّهُ) أَي التَّدْبِير (للتَّمْلِيك) أَي لتمليك العَبْد رقبته بعد الْمَوْت (وَالْإِضَافَة) للتَّمْلِيك إِي لتمليك (إِلَى زمَان زَوَال مالكيته لَا تصح وَصحت) سَائِر التعليقات بِالْمَوْتِ، وَمِنْهَا التَّدْبِير (فَعلم اعْتِبَاره) أَي التَّعَلُّق بِالْمَوْتِ (سَببا للْحَال شرعا) لِأَن اعْتِبَار سببيته فِي زمَان الْمُعَلق بِهِ، وَهُوَ الْمَوْت لَا يُمكن لِأَن زمَان زَوَال الْمَالِكِيَّة زَالَ وَلَا يعْمل السَّبَب بِدُونِ أَهْلِيَّة من لَهُ التَّصَرُّفَات فَإِن قلت هَذَا منَاف لما ذكرت من قيام الوراث مقَامه قلت ذَلِك فِي اعْتِبَار سببيته تنجيزا لحقيقة الْعتْق وَالتَّمْلِيك، والسببية الْمُعْتَبرَة حَال التَّعْلِيق لحق الْعتْق وَحقّ التَّمْلِيك (وَإِذ كَانَ أَنْت حر) فِي غير صُورَة التَّعْلِيق (سَببا لِلْعِتْقِ للْحَال وَهُوَ) أَي الْعتْق (تصرف لَا يقبل الْفَسْخ ثَبت بِهِ) أَي بأنت حر عَنهُ كَونه مُعَلّقا بِالْمَوْتِ (حق الْعتْق) للسَّبَبِيَّة الْقَائِمَة للْحَال على الْوَجْه الْمَذْكُور (وَهُوَ) أى حق الْعتْق (كالحقيقة) أى الْعتْق (كَأُمّ الْوَلَد) فانها اسْتحقَّت بِسَبَب الِاسْتِيلَاد حق الْعتْق للْحَال بالِاتِّفَاقِ (إِلَّا فِي سُقُوط التقوم) يَعْنِي أَن الْمُدبر كَأُمّ الْوَلَد فِي الْأَحْكَام إِلَّا فِي سُقُوط التقوم (فَإِنَّهَا) أَي أم الْوَلَد غير مُتَقَومَة عِنْد أبي حنيفَة (لَا تضمن بِالْغَضَبِ وَلَا بِإِعْتَاق أحد الشَّرِيكَيْنِ نصِيبه مِنْهَا) لِأَن الضَّمَان فرع الْمُتَقَوم بِخِلَاف الْمُدبر (لما عرف) فِي مَوْضِعه من أَن التقوم بإحراز الْمَالِيَّة، وَهُوَ أصل فِي الْأمة والتمتع بهَا تبع، وَلم يُوجد فِي الْمُدبر مَا يُوجب بطلَان هَذَا الأَصْل بِخِلَاف أم الْوَلَد فَإِنَّهَا لما استفرشت واستولدت صَارَت محرزة للمتعة، وَصَارَت الْمَالِيَّة تبعا فَسقط تقومها، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَومَة كالمدبر إِلَّا أَن الْمُدبر يسْعَى للْغُرَمَاء وَالْوَرَثَة، وَأم الْوَلَد لَا تسْعَى لِأَنَّهَا مصروفة إِلَى الْحَاجة الْأَصْلِيَّة، وَهِي مُقَدّمَة عَلَيْهِم، وَالتَّدْبِير لَيْسَ من أصُول حَوَائِجه: فَيعْتَبر من الثُّلُث (وَلذَا) أَي بَقَاء الْمَالِكِيَّة بِقدر مَا تَنْقَضِي بِهِ حَاجَة الْمَيِّت (قُلْنَا الْمَرْأَة تغسل زَوجهَا لملكه إِيَّاهَا فِي الْعدة) لِأَن النِّكَاح فِي حكم الْقَائِم مَا لم تنقض (وَحَاجته) إِلَيْهَا فِي ذَلِك، فَإِن الْغسْل من الْخدمَة وَهِي فِي الْجُمْلَة من لوازمها، وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا غسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا نساؤه " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ على شَرط مُسلم (وَأما مَا لَا يصلح لِحَاجَتِهِ) أَي الْمَيِّت (فالقصاص) فَإِنَّهُ شرع (لدرك الثأر) والنشفي، والثأر الدَّم (و) الدَّم (الْمُحْتَاج إِلَيْهِ الْوَرَثَة لَا الْمَيِّت. ثمَّ الْجِنَايَة) بقتْله (وَقعت على حَقهم لانتفاعهم بحياته) بالاستئناس بِهِ والانتصار بِهِ على

الصفحة 286