كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الْأَعْدَاء وَغير ذَلِك (وَحقه) أَي الْمَيِّت أَيْضا (بل هُوَ أولى) لِأَن انتفاعه بحياته أَكثر إِلَّا أَنه خرج عِنْد ثُبُوت الْحق عَن أَهْلِيَّة الْوُجُوب فَثَبت ابْتِدَاء للْوَرَثَة القائمين مقَامه: فالسبب انْعَقَد فِي حق الْمُورث وَالْحق وَجب للْوَرَثَة (فصح عَفوه) رِعَايَة لجَانب السَّبَب (وعفوهم قبل الْمَوْت) رِعَايَة لجَانب الْوَاجِب وَالسَّبَب مَعَ أَن الْعَفو مَنْدُوب إِلَيْهِ فَيجب تَصْحِيحه بِحَسب الْإِمْكَان، وَهَذَا اسْتِحْسَان. وَالْقِيَاس أَن لَا يَصح لما فِيهِ من إِسْقَاط الْحق قبل ثُبُوته (فَكَانَ) الْقصاص (ثَابتا ابْتِدَاء للْكُلّ) أَي لكل الْوَرَثَة (وَعنهُ) أَي عَن كَون الْقصاص ثَابتا للْوَرَثَة ابْتِدَاء (قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُورث الْقصاص) لِأَن الْإِرْث مَوْقُوف على الثُّبُوت للمورث ثمَّ النَّقْل عَنهُ إِلَى الْوَرَثَة (فَلَا ينْتَصب بعض الْوَرَثَة خصما عَن الْبَقِيَّة) فِي طلب الْقصاص (حَتَّى تُعَاد بَيِّنَة الْحَاضِر) يَعْنِي لَو كَانَ الْقصاص يُورث لانتصب بعض وَرَثَة المقنول عَن الْبَعْض فِي الطّلب كَسَائِر الْمَوَارِيث: لِأَن الْحق حِينَئِذٍ للمورث أَصَالَة، ويكفى لمصْلحَة الْخلَافَة وَاحِد مِنْهُم: لَكِن لما كَانَ الْحق لَهُم أَصَالَة كَانَ كل وَاحِد مِنْهُم مُنْفَردا بِدَعْوَاهُ: فَإِذا كَانَ بعض الْوَرَثَة حَاضرا دون بعض فَأَقَامَ الْحَاضِر بَيِّنَة لَا يكون منتصبا عَن الْغَائِب: ثمَّ إِذا حضر الْغَائِب وَأقَام بَيِّنَة تُعَاد بَيِّنَة الْحَاضِر (عِنْد حُضُور الْغَائِب، وَعِنْدَهُمَا يُورث) الْقصاص (لِأَن خَلفه) أَي الْقصاص من المَال (موروث إِجْمَاعًا وَلَا يُخَالف) بالخلف (الأَصْل، وَالْجَوَاب أَن ثُبُوته) أَي الْقصاص (حَقًا لَهُم لعدم صلاحيته) أَي الْقصاص (لِحَاجَتِهِ) أَي الْمَيِّت (فَإِذا صَار) الْقصاص (مَالا) بإن بدل بِهِ بِالصُّلْحِ أَو عَفْو الْبَعْض (وَهُوَ) أَي المَال (يصلح لحوائجه) أَي من التَّجْهِيز وَقَضَاء الدّين وتنفيذ الْوَصِيَّة (رَجَعَ) المَال الَّذِي هُوَ خَلفه (إِلَيْهِ) أَي الْمَيِّت (وَصَارَ كَأَنَّهُ الأَصْل) بِهَذَا الأَصْل كالدية فِي الْخَطَأ لِأَن الْخلف يجب بِالسَّبَبِ الَّذِي يجب بِهِ الأَصْل (فَيثبت لوَرثَته الْفَاضِل عَنْهَا) أَي حَوَائِجه خلَافَة لَا أَصَالَة، وَالْخلف قد يُفَارق الأَصْل فِي بعض الْأَحْكَام كالتيمم وَالْوُضُوء فِي اشْتِرَاط النِّيَّة فَهَذِهِ تفاصيل أَحْكَام الدُّنْيَا (وَأَحْكَام الْآخِرَة) وَهِي أَرْبَعَة: مَا يجب لَهُ على الْغَيْر من حق رَاجع إِلَى النَّفس أَو الْعرض أَو المَال، وَمَا يجب للْغَيْر عَلَيْهِ من حق كَذَلِك، وَمَا يلقاه من عِقَاب، وَمَا يلقاه من ثَوَاب (كلهَا ثَابِتَة فِي حَقه) أَي الْمَيِّت.
(وَالنَّوْع الثَّانِي) من عوارض الْأَهْلِيَّة الْعَوَارِض (المكتسبة) الناشئة (من نَفسه و) من (غَيره فَمن الأولى) أَي المكتسبة من نَفسه (السكر) وَسَيَأْتِي حَده (وَهُوَ) بِاعْتِبَار مُبَاشرَة سَببه (محرم إِجْمَاعًا فَإِن كَانَ طَرِيقه مُبَاحا كسكر الْمُضْطَر إِلَى شرب الْخمر) وَهِي النئ من مَاء الْعِنَب إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد عِنْد أبي حنفية، وَلم يشْتَرط قذفه بالزبد، والاضطرار قد يكون لإساغة اللُّقْمَة وَدفع عَطش، وَقد يكون بإكراه على شربهَا بتهديد أَو بِقطع عُضْو (وَالْحَاصِل من

الصفحة 287