كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

عَن قصد اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ، وَلَا استخفاف من السَّكْرَان لعدم الْقَصْد، وَعدم اعْتِبَار الشَّارِع إِدْرَاكه قَائِما بِهِ، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صنع لنا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طَعَاما وَسَقَانَا من الْخمر فَأخذت الْخمْرَة منا وَحَضَرت الصَّلَاة فقدموني فَقَرَأت - قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَنحن نعْبد مَا تَعْبدُونَ - فَأنْزل الله تَعَالَى - {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} - قَالَ التِّرْمِذِيّ حسن صَحِيح غَرِيب، ثمَّ هَذَا اسْتِحْسَان قدم على الْقيَاس، وَهُوَ صِحَة ردته لكَونه مُخَاطبا كالصاحي كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو يُوسُف. وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن عدم صِحَة إِرَادَته فِي الحكم، أما بَينه وَبَين الله تَعَالَى، فَإِن كَانَ فِي الْوَاقِع قصد أَن يتَكَلَّم بِهِ ذَاكِرًا مَعْنَاهُ كفر، وَإِلَّا فَلَا (وَلَو أقرّ بِمَا يحْتَمل الرُّجُوع كَالزِّنَا) وَشرب الْخمر وَالسَّرِقَة الصُّغْرَى والكبرى (لَا يحد، لِأَن حَالَة رُجُوعه يُوجب رُجُوعه) لعدم ثباته على شَيْء وَلَا سِيمَا على شَيْء يلْزم الْحَد مَعَ زِيَادَة شُبْهَة أَنه يكذب على نَفسه فيندرئ عَنهُ لِأَن مبْنى حق الله تَعَالَى على الْمُسَامحَة، نعم يضمن الْمَسْرُوق لِأَنَّهُ حق العَبْد وَلَا يبطل بِالرُّجُوعِ (و) لَو أقرّ (بِمَا لَا يحْتَملهُ) أَي الرُّجُوع (كَالْقصاصِ وَالْقَذْف وَغَيرهمَا أَو بَاشر سَبَب الْحَد) من زنا أَو سَرقَة أَو قذف مَعْطُوف على أقرّ (مُعَاينَة حد إِذا صَحا) إِذْ فِي حَال السكر لَا يحصل الانزجار الْمَقْصُود من الْحَد، وَاعْترض الشَّارِح بِأَنَّهُ يفهم من الْعبارَة أَن الْجَزَاء فِي جَمِيع ذَلِك حد وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ مَا هُوَ حق العَبْد كَالْقصاصِ لَيْسَ بِحَدّ، ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد حد إِذا صَحا وَأخذ بِمُوجب الْبَاقِي انْتهى وَالْأَمر فِيهِ هَين إِذْ يجوز إِطْلَاق الْحَد على الْكل تَغْلِيبًا. (وَحده) أَي السكر (اخْتِلَاط الْكَلَام والهذيان) على قَوْلهمَا وَالْأَئِمَّة الثَّلَاثَة، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف وَالْمرَاد أَن يكون غَالب كَلَامه هذيانا، فَإِن كَانَ نصفه مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بسكران، وَإِلَيْهِ مَال أَكثر الْمَشَايِخ واختاروه للْفَتْوَى، وَيُؤَيّد هَذَا التَّحْدِيد قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِذا سكر هذى، رَوَاهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله (وَزَاد أَبُو حنفية فِي) حد (السكر الْمُوجب للحد أَن لَا يُمَيّز بَين الْأَشْيَاء وَلَا يعرف الأَرْض من السَّمَاء) وَإِنَّمَا اعْتبرت السَّمَاء مبدأ معرفَة الأَرْض، لِأَن الْأَشْيَاء تتبين بأضدادها وهما بِمَنْزِلَة الضدين (إِذْ لَو ميز) بَينهمَا (فَفِيهِ) أَي فِي سكره (نُقْصَان وَهُوَ) أَي نقصانه (شُبْهَة الْعَدَم) أَي السكر وَهُوَ الصحو (فيندرئ) الْحَد (بِهِ) أَي بِهَذَا النُّقْصَان (وَأما) حد السكر (فِي غير وجوب الْحَد من الْأَحْكَام فَالْمُعْتَبر عِنْده أَيْضا اخْتِلَاط الْكَلَام حَتَّى لَا يترد بِكَلِمَة الْكفْر مَعَه) أَي مَعَ اخْتِلَاط الْكَلَام (وَلَا يلْزمه الْحَد بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجب) الْحَد عِنْده. قَالَ الشَّارِح: قَالَ المُصَنّف رَحمَه الله: وَإِنَّمَا اخْتَارُوا للْفَتْوَى قَوْلهمَا لضعف وَجه قَوْله وَذَلِكَ أَنه حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذ فِي أَسبَاب

الصفحة 289