كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الْحُدُود بأقصاها فقد سلم أَن السكر يتَحَقَّق قبل الْحَالة الَّتِي عينهَا، وَأَنه تَتَفَاوَت مراتبه وكل مرتبَة هِيَ سكر وَالْحَد إِنَّمَا أنيط فِي الدَّلِيل الَّذِي أثبت حد السكر بِمَا يُسمى سكرا إِلَّا بالمرتبة الْأَخِيرَة مِنْهُ، على أَن الْحَالة الَّتِي ذكر قَلما يصل إِلَيْهَا سَكرَان فَيُؤَدِّي إِلَى عدم الْحَد بالسكر انْتهى. وَقيل اخْتِلَاط الْكَلَام أَو عدم التَّمْيِيز بَين الْأَشْيَاء لَيْسَ نفس السكر، وَإِنَّمَا هُوَ عَلامَة، فَقيل هُوَ معنى يزِيل الْعقل عِنْد مُبَاشرَة سَببه، وَقيل غَفلَة تعرض لغَلَبَة السرُور على الْعقل بِمُبَاشَرَة مُوجبهَا، فَتخرج الْغَفْلَة الَّتِي لَيست لغلبته كَالَّتِي من شرب الأفيون والبنج، فَإِنَّهَا من قبيل الْجُنُون لَا من السكر لَكِن ألحقت بِهِ شرغا للاشتراك فِي الحكم، وَفِيه مَا فِيهِ (وَمِنْهَا) أَي أَي من المكتسب من نَفسه (الْهزْل) وَهُوَ اللّعب لُغَة، وَاصْطِلَاحا (أَن لَا يُرَاد بِاللَّفْظِ ودلالته الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ وَلَا الْمجَازِي) بِأَن لَا يُرَاد بِهِ شَيْء، أَو يُرَاد بِهِ مَا لَا يَصح إِرَادَته مِنْهُ (ضِدّه الْجد: أَن يُرَاد بِاللَّفْظِ أَحدهمَا) أَي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي (وَمَا يَقع) الْهزْل (فِيهِ) من الْأَقْسَام (إنشاءات فرضاه) أَي الهازل (بِالْمُبَاشرَةِ) أَي التَّكَلُّم بألفاظها (لَا بحكمها) أَي لَا بِثُبُوت الْأَثر الْمُتَرَتب عَلَيْهَا على تَقْدِير إِرَادَة مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ أَو الْمجَازِي (أَو إخبارات أَو اعتقادات) لِأَن مَعَ يَقع فِيهِ الْهزْل إِن كَانَ إِحْدَاث حكم شَرْعِي فإنشاء، وَإِلَّا فَإِن كَانَ الْقَصْد مِنْهُ بَيَان الْوَاقِع فإخبار، وَإِلَّا فاعتقاد كَمَا سيشير إِلَيْهِ بقوله (وَالْأول) أَي الْإِنْشَاء (إِحْدَاث الحكم الشَّرْعِيّ أَي) إِحْدَاث (تعلقه) إِذْ نفس الحكم الشَّرْعِيّ قديم كَمَا مر غير مرّة (فَأَما) الْهزْل (فِيمَا يحْتَمل النَّقْض) أَي الْفَسْخ وَإِلَّا قَالَه (كَالْبيع وَالْإِجَارَة فإمَّا أَن يتواضعا فِي أَصله) أَي تجْرِي الْمُوَاضَعَة بَين الْعَاقِدين قبل العقد (على التَّكَلُّم بِهِ) أَي بِلَفْظ العقد (غير مريدين حكمه) أَي العقد (أَو) يتواضعا (على قدر الْعِوَض أَو) الثّمن أَو الْمَبِيع مثلا أَو يتواضعا على (جنسه) أَي الْعِوَض (فَفِي الأول) أَي فِيمَا تواضعا على أَصله (إِن اتفقَا بعده) أَي العقد (على الْإِعْرَاض عِنْده) أَي العقد (إِلَى الْجد) بِأَن فإلا بعد البيع: قد أعرضنا وَقت البيع عَن الْهزْل وبعنا بطرِيق الْجد (لزم البيع) وَبَطل الْهزْل، لِأَن العقد الصَّحِيح يقبل الْإِقَالَة: فَهَذَا أولى (أَو) اتفقَا (على الْبناء) للْعقد (عَلَيْهِ) أَي التَّوَاضُع (فكشرط الْخِيَار) أَي صَار العقد الْمُشْتَمل على شَرط الْخِيَار (لَهما) أَي الْعَاقِدين مُتَعَلق بِالْخِيَارِ (مُؤَبَّدًا إِذْ رَضِيا) فِي هَذَا كالعقد (بِالْمُبَاشرَةِ فَقَط) أَي بالحكم الَّذِي هُوَ الْملك أَيْضا كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد (فَيفْسد) العقد فِيهِ كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد (وَلَا يملك) الْمَبِيع فِيهِ (بِالْقَبْضِ لعدم الرِّضَا بالحكم) كَذَا قَالَ صدر الشَّرِيعَة وَغَيره. وَفِي التَّلْوِيح لَو قَالَ لعدم اخْتِيَار الحكم لَكَانَ أولى، لِأَنَّهُ الْمَانِع من الْملك، لَا عدم الرِّضَا كالمشتري من الْمُكْره فَإِنَّهُ يملك بِالْقَبْضِ لوُجُود الِاخْتِيَار وَلم يُوجد الرِّضَا، إِذْ الِاخْتِيَار الْقَصْد إِلَى الشَّيْء وإرادته،

الصفحة 290