كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَالرِّضَا إيثاره واستحسانه، وَالْمكْره على الشَّيْء يختاره وَلَا يرضاه. وَمن هُنَا قَالُوا: الْمعاصِي والقبائح بِإِرَادَة الله تَعَالَى، لَا بِرِضَاهُ انْتهى وَلَا يخفى عَلَيْك أَن فِيمَا نَحن فِيهِ كِلَاهُمَا معدومان، فَيحمل الرِّضَا على مَا يعمهما. ثمَّ هَذَا بِخِلَاف البيع الْفَاسِد من وَجه حَيْثُ يثبت الْملك بِالْقَبْضِ لوُجُود الرِّضَا بالحكم هُنَاكَ (فَإِن نقضه) أَي العقد الَّذِي اتفقَا على أَنه مَبْنِيّ على الْمُوَاضَعَة (أَحدهمَا) أَي الْعَاقِدين (انْتقض) لِأَن لكل مِنْهُمَا النَّقْض فينفرد بِهِ (لَا إِن أجَازه) أَي أَحدهمَا العقد دون الآخر لتوقفه على إجازتهما جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَخِيَار الشَّرْط لَهما (وَإِن أجازاه) أَي العاقدان العقد (جَازَ بِقَيْد الثَّلَاثَة) أَي بِشَرْط أَن تكون إجازتهما فِي ثَلَاثَة أَيَّام من وَقت العقد (عِنْده) أَي أبي حنيفَة كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد عِنْده: أَي أبي حنيفَة رَحمَه الله لارْتِفَاع الْمُفْسد لَا فِيمَا بعْدهَا لتقرر الْفساد بمضيها (ومطلقا) عِنْدهمَا: أَي وَجَاز إِذا أجازاه أَي وَقت أَرَادَا مَا لم يتَحَقَّق النَّقْض عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد كَمَا فِي الْخِيَار المؤبد عِنْدهمَا: فَهَذِهِ ثَانِيَة صور الِاتِّفَاق (أَو) اتفقَا على (إِن لم يحضرهما) أَي لم يَقع بخاطرهما وَقت العقد (شَيْء) أَي لَا الْبناء على الْمُوَاضَعَة وَلَا الْإِعْرَاض عَنْهَا، وَلَيْسَ معنى الِاتِّفَاق هَهُنَا قصدهما عدم خطور شَيْء من الْأَمريْنِ وَقت العقد، فَإِن هَذَا لقصد يسْتَلْزم الخطور، بل المُرَاد أَنَّهُمَا أخبرا بالِاتِّفَاقِ بخطور عَنْهُمَا وَقت العقد، وَهَذِه ثَالِثَة صور الِاتِّفَاق (أَو اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاض) عَن الْمُوَاضَعَة (وَالْبناء) عَلَيْهَا فَقَالَ أَحدهمَا بنيت العقد على الْمُوَاضَعَة، وَقَالَ الآخر: أَعرَضت عَنْهَا بالجد (صَحَّ العقد عِنْده) أَي أبي حنيفَة فيهمَا (عملا بِمَا هُوَ الأَصْل فِي العقد) الشَّرْعِيّ، وَهُوَ الصِّحَّة واللزوم، لِأَنَّهُ شرع للْملك وَالْجد هُوَ الظَّاهِر فِيهِ (وَهُوَ) أَي الْعَمَل بِالْأَصْلِ فِيهِ (أولى من اعْتِبَار الْمُوَاضَعَة) لِأَنَّهَا عَارض لم تنور دَعْوَى مدعيها بِالْبَيَانِ فلايكون القَوْل قَوْله كَمَا فِي خِيَار الشَّرْط (وَلم يَصح) العقد فيهمَا (عِنْدهمَا لعادة الْبناء) أَي لِأَن الْمُعْتَاد فِي مثله الْبناء على الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة (وَكيلا تلغوا الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة) فَيكون الِاشْتِغَال بهَا عَبَثا (و) لَا يفوت (الْمَقْصُود وَهُوَ صون المَال عَن المتغلب) مثلا (فَهُوَ) أَي الْبناء على الْمُوَاضَعَة (الظَّاهِر، وَدفع بِأَن) الْقَيْد (الآخر) الْخَالِي عَن أَن يحضرهما شَيْء (نَاسخ) للمواضع السَّابِقَة: مَعَ أَن الْأَلْيَق بِحَال أهل الدّيانَة الرُّجُوع عَن الْمُوَاضَعَة، وَرجح المُصَنّف قَوْلهمَا بقوله (وَقد يُقَال هُوَ) أَي كَون الآخر نَاسِخا لَهَا (فرع الرِّضَا) بِهِ إِذْ مدَار الْعُقُود والفسوخ على المراضاة، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (إِذْ مُجَرّد صُورَة العقد لَا يستلزمه) أَي الْفَسْخ وَفسخ مَا اتفقَا عَلَيْهِ (إِلَّا بِاعْتِبَارِهِ) أَي الرِّضَا بِهِ وَقد (فرض عدم إِرَادَة شَيْء) فِي الصُّورَة الثَّالِثَة (فَيصْرف) العقد (إِلَى مُوَافقَة) العقد (الأول) أَي الْمُوَافقَة السَّابِقَة (وَكَون أَحدهمَا أعرض) فِي الصُّور الرَّابِعَة (لَا يُوجب صِحَّته) أَي العقد (إِذْ لَا يقوم العقد إِلَّا برضاهما، وَلَو قَالَ أَحدهمَا أَعرَضت) عِنْد العقد عَن الْمُوَاضَعَة السَّابِقَة (و) قَالَ (الآخر

الصفحة 291