كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

(كَالنِّكَاحِ) فَإِن الْمَقْصد الْأَصْلِيّ فِيهِ من الْجَانِبَيْنِ الجل للتوالد، وَالْمَال شرع فِيهِ لإِظْهَار خطر الْمحل، وَكَذَا يَصح بِدُونِ ذكر الْمهْر ويتحمل فِي الْمهْر من الْجَهَالَة مَا لَا يتَحَمَّل فِي غَيره، وَنقل الشَّارِح عَن المُصَنّف أَن كَون النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ مَحل نظر فَإِن التَّفْرِيق بَين الزَّوْجَيْنِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَة ونقصان الْمهْر وَخيَار الْبلُوغ وبردتها فسخ (فَإِن) تواضعا (فِي أَصله) أَي النِّكَاح بِأَن قَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أتزوجك بِأَلف هازلا عِنْد النَّاس، وَلَا يكون بَيْننَا فِي الْوَاقِع نِكَاح، ووافقته على ذَلِك وَحضر الشُّهُود عِنْد العقد (لزم) النِّكَاح وانعقد صَحِيحا قَضَاء وديانة سَوَاء اتفقَا على الْإِعْرَاض أَو الْبناء أَو أَنه لم يحضرهما شَيْء وَاخْتلفَا على مَا مر لعدم تَأْثِير الْهزْل فِيهِ لكَونه غير مُحْتَمل الْفَسْخ، وَفِيه مَا مر، فَالْأولى أَن يسْتَدلّ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " ثَلَاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة " رَوَاهُ أَحْمد، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حسن غَرِيب وَصَححهُ الْحَاكِم (أَو) تواضعا (فِي قدر الْمهْر) أَي على أَلفَيْنِ وَيكون فِي الْوَاقِع ألفا (فَإِن اتفقَا على الْإِعْرَاض فألفان) أَي فالمهر أَلفَانِ لبالاتفاق بطلَان الْمُوَاضَعَة بإعراضهما عَنْهُمَا (أَو) اتفقَا على (الْبناء فألف) الْمهْر بالِاتِّفَاقِ: لِأَن الْمهْر الآخر ذكر هزلا وَلَا مَانع من اعْتِبَار الْهزْل فِيهِ: إِذْ المَال لَا يجب مَعَ الْهزْل (وَالْفرق لَهُ) أَي لأبي حنيفَة (بَينه) أَي الْهزْل بِقدر الْمهْر (وَبَين) الْهزْل فِي قدر الثّمن فِي (الْمَبِيع) حَيْثُ اعْتبر التَّسْمِيَة فِي الِاتِّفَاق على الْبناء فِي الْمُوَاضَعَة على قدر الْبَدَل فِيهِ، وَاعْتبر الْمُوَاضَعَة هَهُنَا ل (أَنه) أَي البيع (يفْسد بِالشّرطِ) الْفَاسِد، وَقد مرّ وَجه فَسَاده وَقد قصدا صِحَّته (لَا النِّكَاح) أَي بِخِلَاف النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يفْسد بِهِ فَأمكن اعْتِبَار الْمُوَاضَعَة فِيهِ من غير لُزُوم فَسَاد (وَإِن اتفقَا أَنه لم يحضرهما شَيْء، أَو اخْتلفَا) بِوَجْه من وُجُوه الِاخْتِلَاف وَقد عرفتها (جَازَ) النِّكَاح (بِأَلف فِي رِوَايَة مُحَمَّد عَنهُ) أَي أبي حنيفَة (بِخِلَاف البيع، لِأَن الْمهْر تَابع) فِي عقد النِّكَاح (حَتَّى صَحَّ العقد بِدُونِهِ فَيعْمل بِالْهَزْلِ بِخِلَاف البيع) فَإِن الثّمن وَإِن كَانَ فِيهِ وَصفا غير مَقْصُود بِالذَّاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَبِيع إِلَّا أَنه مَقْصُود بِالْإِيجَابِ لكَونه ركنا (حَتَّى فسد) البيع (لِمَعْنى فِي الثّمن) كجهالته (فضلا عَن عَدمه) أَي الثّمن (فَهُوَ) أَي الثّمن (كَالْمَبِيعِ وَالْعَمَل بِالْهَزْلِ يَجعله شرطا فَاسِدا) كَمَا عرفت (فَيلْزم مَا تقدم) من التَّنَافِي بَين تَصْحِيح العقد وَاعْتِبَار الْمُوَاضَعَة وَثُبُوت التَّصْحِيح تَرْجِيحا للْأَصْل (وَفِي رِوَايَة) عَن (أبي يُوسُف) عَن أَبى حنيفَة (وَهِي الْأَصَح) كَمَا ذكر فَخر الْإِسْلَام وَغَيره يلْزمه (أَلفَانِ كَالْبيع لِأَن كلا) من الْمهْر وَالثمن (لَا يثبت إِلَّا قصدا ونصا، وَالْعقل يمْنَع من الثَّبَات على الْهزْل فَيجْعَل) عِنْدهمَا بِأَلفَيْنِ عقدا (مُبْتَدأ عِنْد اخْتِلَافهمَا) لَا بِنَاء على الْمُوَاضَعَة كَذَا فِي كشف الْمنَار. وَفِي كشف الْكَبِير وَغَيره لِأَن نفي الْفساد إهدار لجَانب الْفساد، وَاعْتِبَار للْجدّ الَّذِي هُوَ الأَصْل فِي الْكَلَام (أَو) تواضعا (فِي الْجِنْس) أَي جنس الْمهْر بِأَن يذكرَا عِنْد العقد مائَة دِينَار، وَالْمهْر فِي الْوَاقِع

الصفحة 295