كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله (لِإِمْكَان الْعَمَل بالمواضعة) مَعَ تَصْحِيح العقد (بِنَاء على أَن الْخلْع لَا يفْسد بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة وَهُوَ) أَي الشَّرْط الْفَاسِد هَاهُنَا (أَن يتَعَلَّق) الطَّلَاق (بِجَمِيعِ الْبَدَل) الْمَذْكُور فِي الْمُسَمّى (وَلَا يَقع) الطَّلَاق (فِي الْحَال، بل يتَوَقَّف على اخْتِيَارهَا) وَإِذا قُلْنَا بِعَدَمِ فَسَاد الْخلْع صححنا العقد وَحَيْثُ حكمنَا بالتوقف علمنَا بالمواضعة: إِذْ حاصلها جعل الطَّلَاق مُتَعَلقا بِجَمِيعِ الْبَدَل مَعَ قبُولهَا على سَبِيل الْهزْل، فَلَمَّا لم يلْزم الْمُبَادلَة فِي الْحَال روعي جَانب الْهزْل، وَحَيْثُ توقف وُقُوع الطَّلَاق على اخْتِيَارهَا جَمِيع الْبَدَل صحّح عقد الْخلْع بِالْمُسَمّى وَلَو على سَبِيل التَّعْلِيق لَا التَّنْجِيز وَقيل يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف على إجازتهما مَعًا لما أَجمعُوا عَلَيْهِ من الْهزْل كَشَرط الْخِيَار لَهما، وَلذَا إِذا بنى أَحدهمَا فِي البيع وَأعْرض الآخر لَا يَصح العقد وَأجِيب بِأَن ذَلِك فِي غير الْخلْع وَنَحْوه مِمَّا يحْتَمل كل من الْبَدَلَيْنِ فِيهِ شَرط الْخِيَار. وَفِي الْخلْع وَنَحْوه من الطَّلَاق وَالْعتاق وَالصُّلْح لَا يحْتَملهُ، إِذْ لَيست فِي معنى مَا شرع فِيهِ الْخِيَار.
وَلما كَانَ تَقْرِير الدَّلِيل على المذهبين فِي الطَّلَاق سَوَاء كَانَ فِي الْخلْع أَو فِي الطَّلَاق على مَال وَكَانَ الْعتْق على مَال، وَالصُّلْح عَن دم الْعمد يشاركانه فِي الحكم ألحقهما بِهِ بقوله (وكل من الْعتْق وَالصُّلْح) عَن دم الْعمد (فِيهِ) أَي فِي كل مِنْهُمَا (مثل مَا فِي الطَّلَاق) من الحكم والتفريع. (وَأما تَسْلِيم الشُّفْعَة هزلا فَقيل طلب المواثبة) وَهُوَ طلبَهَا كَمَا علم بِالْبيعِ هُوَ (كالسكوت) مُخْتَارًا (يُبْطِلهَا) أَي الشُّفْعَة: إِذْ اشْتِغَاله بِالتَّسْلِيمِ هازلا سكُوت عَن طلبَهَا فَوْرًا بعد الْعلم بِالْبيعِ (وَبعده) أَي طلب المواثبة سَوَاء كَانَ بعد طلب التَّقْرِير وَالْإِشْهَاد، وَهُوَ أَن ينْهض بعد طلب المواثبة فَيشْهد على البَائِع إِن كَانَ الْمَبِيع بِيَدِهِ، أَو على المُشْتَرِي، أَو عِنْد الْعقار على طلبَهَا أَو قبله (يبطل التَّسْلِيم فَتبقى الشُّفْعَة لِأَنَّهُ) أَي تَسْلِيمهَا (من جنس مَا يبطل بِالْخِيَارِ لِأَنَّهُ) أَي التَّسْلِيم (فِي معنى التِّجَارَة لكَونه) أَي التَّسْلِيم (اسْتِيفَاء أحد الْعِوَضَيْنِ) وَهُوَ هَهُنَا الدَّار الْمُشْتَركَة (على ملكه) أَي أحد المعاوضين، وَهُوَ هَهُنَا مشتريها: وَمن ثمَّة يملك الْأَب وَالْوَصِيّ تَسْلِيم شُفْعَة الصَّبِي عِنْد أبي حنيفَة كَمَا يملكَانِ البيع وَالشِّرَاء لَهُ، وَاسْتِيفَاء أحد الْعِوَضَيْنِ مَعَ اسْتِحْقَاق الاستخراج من ملكه يحْتَاج إِلَى إِسْقَاط الِاسْتِحْقَاق (فَيتَوَقَّف) التَّسْلِيم الَّذِي هُوَ الِاسْتِيفَاء (على الرِّضَا) مِمَّن يترقب مِنْهُ التَّسْلِيم (بالحكم) وَهُوَ الْملك الَّذِي أُرِيد إبقاؤه (والهزل يَنْفِيه) أَي الرِّضَا بالحكم (وَكَذَا يبطل بِهِ) أَي بِالْهَزْلِ (إِبْرَاء الْمَدْيُون وَالْكَفِيل، لِأَن فِيهِ) أَي فِي كل مِنْهُمَا (معنى التَّمْلِيك) أما الْمَدْيُون فَلِأَنَّهُ بِالْإِبْرَاءِ يملك مَا فِي ذمَّته من الدّين، وَأما فِي الْكَفِيل فَلِأَنَّهُ يملك رقبته بَعْدَمَا كَانَت مَشْغُولَة بمطالبته (ويرتد) الْإِبْرَاء فيهمَا (بِالرَّدِّ) كَمَا إِذا سلم الشُّفْعَة بعد طلب المواثبة، فَلم يقبل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمه يرجع إِلَيْهِ حق الشُّفْعَة مَعْطُوف

الصفحة 298