كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

على قَوْله فِيهِ معنى التَّمْلِيك (فيوثر فِيهِ) أَي الْإِبْرَاء كالتسليم (الْهزْل) تَفْرِيع على كَونه بِحَيْثُ يرْتَد بِالرَّدِّ مَعَ أَنه فِيهِ معنى التَّمْلِيك (وَكَذَا الإخبارات وَهُوَ الثَّانِي) من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة لما يَقع فِيهِ من الْهزْل (سَوَاء كَانَت) إِخْبَارًا (عَمَّا يحْتَمل الْفَسْخ كَالْبيع وَالنِّكَاح) كَمَا هُوَ الْأَصَح، (أَو) كَانَت إِخْبَارًا عَمَّا (لَا) يحْتَمل الْفَسْخ (كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق) وَسَوَاء كَانَت إِخْبَارًا (شرعا ولغة كَمَا إِذا تواضعا على أَن يقرا بِأَن بَينهمَا نِكَاحا أَو بيعا فِي هَذَا بِكَذَا) فكونهما إخبارين لُغَة ظَاهر وَأما شرعا فَلِأَن الشَّرْع لَا يحكم بإنشاء عقد بَينهمَا بِهَذَا الْإِقْرَار، بل لَو كَانَ صدقا لهَذَا الْإِخْبَار فالإنشاء قد تحقق هُنَاكَ، وَإِلَّا فكذب مَحْض لَا مصداق لَهُ، وَلَا يثبت بِهِ عقد بَينهمَا (أَو) إِخْبَارًا (لُغَة فَقَط) وَالشَّرْع يَجعله إنْشَاء (مقررة) حَال من ضمير الإخبارات فِي كَانَت بِاعْتِبَار نِسْبَة مَا عطف على خَبَرهَا الثَّانِي: أَعنِي لُغَة فَقَط (شرعا) أَي فِي الشَّرْع. وَمعنى تقريرها كَونهَا إنْشَاء للإقرار (كَالْإِقْرَارِ بِأَن لزيد عَلَيْهِ كَذَا) فَإِن قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا وَإِن كَانَ بِحَسب اللُّغَات احْتِمَالا يحْتَمل الصدْق وَالْكذب، لَكِن بِحَسب الشَّرْع إنشائية يجب فِي ذمَّته بالمبلغ الْمُسَمّى من غير الْتِفَات إِلَى أَنه هَل كَانَ عَلَيْهِ قبل هَذَا الْكَلَام (لَا يثبت) شَيْء مِنْهَا هزلا (لِأَنَّهُ) أَي الْخَبَر شرعا ولغة أَو لُغَة فَقَط (يعْتَمد صِحَة الْمخبر بِهِ) أَي تحقق الحكم الَّذِي صَار الْخَبَر عَنهُ عبارَة وإعلاما بِثُبُوتِهِ أَو نَفْيه، وتحققه إِنَّمَا يكون بالجد وَالرِّضَا بِهِ والهزل يُنَافِيهِ (أَلا ترى أَن الْإِقْرَار بِالطَّلَاق وَالْعِتْق مكْرها بَاطِل) لِانْعِدَامِ الرِّضَا (فَكَذَا هازلا) لِأَن الْهزْل دَلِيل عدم الصِّحَّة حَتَّى لَو أجَاز بعد ذَلِك لم يجز، لِأَن الْإِجَازَة إِنَّمَا تلْحق منعقدا وَلَا انْعِقَاد مَعَ الْهزْل، بِخِلَاف مَا لَو طلق إِنْسَان زَوْجَة غَيره أَو أعتق عبد غَيره فَإِنَّهُ أَمر حقق، فَإِذا أجَاز الزَّوْج وَالسَّيِّد طلقت وَعتق (وَكَذَا) الْهزْل (فِي الاعتقادات وَهُوَ الثَّالِث) من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة (وَأما ثُبُوت الرِّدَّة بِالْهَزْلِ) أَي يتَكَلَّم الْمُسلم بالْكفْر هزلا (فبه) أَي بِسَبَب الْهزْل نَفسه (للاستخفاف) لِأَن الهازل رَاض بأجراء كلمة الْكفْر على لِسَانه، وَهُوَ استخفاف وَكفر بِالنَّصِّ. قَالَ تَعَالَى - {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب قل أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ} -، وبالإجماع (لَا بِمَا هزل بِهِ) وَهُوَ اعْتِقَاد معنى كلمة الْكفْر الَّتِي تكلم بهَا هازلا (إِذْ لم يتبدل اعْتِقَاده، وَيلْزم الْإِسْلَام) أَي يحكم بِإِسْلَام الْكَافِر فِي أَحْكَام الدُّنْيَا (بِالْهَزْلِ بِهِ) أَي إِذا تكلم بِكَلِمَة الْإِسْلَام وتبرأ من دينه هازلا (تَرْجِيحا) لجَانب الْإِيمَان: إِذْ الأَصْل فِي الْإِنْسَان التَّصْدِيق والاعتقاد (كالإكراه عَلَيْهِ) أَي الْإِسْلَام، فَإِن الْمُكْره إِذا أسلم يحكم بِإِسْلَامِهِ (عندنَا) لوُجُود رُكْنه مِنْهُ، بل الهازل أولى بذلك لرضاه بالتكلم بِخِلَاف الْمُكْره: ووافقنا الشَّافِعِي على ذَلِك فِي الْحَرْبِيّ لَا الذِّمِّيّ كَمَا ستعرف فِي الْإِكْرَاه، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَفِيه أَن الْهزْل

الصفحة 299