كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وعَلى بَيت مَا لَهُم عيالا (ونفاه) أَي أَبُو حنيفَة حجر السَّفه (لِأَنَّهُ) أَي السَّفه (لما كَانَ مُكَابَرَة) لِلْعَقْلِ لعمله بِخِلَاف مُقْتَضَاهُ لغَلَبَة الْهوى مَعَ الْعلم بقبحه (وتركا للْوَاجِب) وَهُوَ الاجتناب عَن الْإِسْفَار والتبذير عَن علم (لم يسْتَوْجب) وَلم يستاهل السَّفِيه (النّظر. ثمَّ إِنَّمَا يحسن) الْحجر عَلَيْهِ (إِذا لم يسْتَلْزم) الْحجر عَلَيْهِ (ضَرَرا فَوْقه) أَي الضَّرَر لكنه يسْتَلْزم ذَلِك لما فِيهِ (من إهدار أَهْلِيَّته وإلحاقه بالجمادات) وبهذه الْأَهْلِيَّة يتَمَيَّز عَن سَائِر الْحَيَوَانَات وَملك الْيَد نعْمَة زَائِدَة على ملك الرَّقَبَة (ولدلالة الْإِجْمَاع على اعْتِبَار إِقْرَاره بِأَسْبَاب الْحَد) قَوْله على صلَة الْإِجْمَاع وَحذف الْمَدْلُول عَلَيْهِ، وَهُوَ اعْتِبَار أَقْوَاله الْمَذْكُورَة اكْتِفَاء بِمَا يفهم من قَوْله (فَلَو لزم شرعا الْحجر عَلَيْهِ) أَي السَّفِيه (فِي أَقْوَاله المتلفة لِلْمَالِ للَزِمَ) الْحجر عَلَيْهِ (بطرِيق أولي فِي) أَقْوَاله (المتلفة لنَفسِهِ) وَهِي إقراراته بِسَبَب الْحُدُود: إِذْ النَّفس أولى بِالنّظرِ من المَال الَّذِي خلق وقاية لَهَا (وَمَعَ هَذَا) الْبَيَان الْبَالِغ (الأحب) يَعْنِي إِلَيْهِ رَحْمَة الله (قَوْلهمَا) وَبِه قَالَت الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة (لِأَن النَّص) أَي التَّنْصِيص (على منع المَال مِنْهُ) أَي السَّفِيه فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء} - الْآيَة (كَيْلا يتلفه) أَي لأجل أَن لَا يتْلف مَاله (قطعا) أَي بِلَا شُبْهَة فَهُوَ تَأْكِيد لكَون الْمَقْصُود من النَّص عدم الْإِتْلَاف (وَإِذا لم يحْجر) عَلَيْهِ (أتْلفه بقوله فَلَا يُفِيد) منع المَال مِنْهُ وَأَيْضًا يحْجر (دفعا للضَّرَر الْعَام، لِأَنَّهُ قد يلبس) على الْمُسلمين أَنه غنى بالتزيي بزِي الْأَغْنِيَاء (فيقرضه الْمُسلمُونَ أَمْوَالهم فيتلفها وَغير ذَلِك) من الضَّرَر الْعَام بهم كَمَا مر (وَهُوَ) أَي دفع الضَّرَر الْعَام (وَاجِب بِإِثْبَات) الضَّرَر (الْخَاص فَصَارَ كالحجر على المكارى الْمُفلس) وَهُوَ الَّذِي يتَقَبَّل الْكِرَاء ويؤجر الدَّوَابّ، وَلَيْسَ لَهُ ظهر يحمل عَلَيْهِ، وَلَا مَال يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابّ (والطبيب الْجَاهِل والمفتي الماجن) وَهُوَ الَّذِي يعلم النَّاس الْحِيَل. قَالَ الشَّارِح كَذَا فِي طَريقَة عَلَاء الدّين الْعَالم، وَلَفظ خُوَاهَر زَاده، والمفتي الْجَاهِل لعدم الضَّرَر من الأول فِي الْأَمْوَال، وَمن الثَّانِي فِي الْأَبدَان، وَمن الثَّالِث فِي الْأَدْيَان، وَفِي الْبَدَائِع لَيْسَ المُرَاد من الْحجر على هَؤُلَاءِ حَقِيقَة الْحجر الَّذِي هُوَ الْمَعْنى الشَّرْعِيّ الَّذِي يمْنَع نُفُوذ التَّصَرُّف: أَلا ترى أَن الْمُفْتِي إِذا أفتى بعد الْحجر وَأصَاب فِي الْفَتْوَى جَازَ، وَلَو أجَاب قبله وَأَخْطَأ لَا يجور: وَكَذَا الطَّبِيب لَو بَاعَ الْأَدْوِيَة بعد الْحجر نفذ بَيْعه: بل المُرَاد الْمَنْع الْحسي، فَهُوَ من بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر (وَإِذا كَانَ الْحجر) على السَّفِيه (للنَّظَر لَهُ لزم أَن يلْحق) السَّفِيه (فِي كل صُورَة) من أَنْوَاع التَّصَرُّفَات الصادرة عَنهُ (بالأنظر) أَي مِمَّن يكن إِلْحَاقه بِهِ أنظر فِي حَقه، فَإِذا كَانَ بَينه وَبَين شبهين لَهُ مُنَاسبَة مصححة لإلحاقه لكل مِنْهُمَا يتَعَيَّن إِلْحَاقه بِمن إِلْحَاقه بِهِ أنظر وَأدْخل فِي مصْلحَته (فَفِي الِاسْتِيلَاد يَجْعَل كَالْمَرِيضِ فَيثبت نسب ولد أمته

الصفحة 301