كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

سد الجوعة (وَقِيَاس السّفر) فِي كَونه مرخصا (عَلَيْهِ) أَي على أكل الْميتَة المنوط بالاضطرار فِي اشْترط نفي عصيان الْمُسَافِر كَمَا فِي الْأكل على سَبِيل التنزل (يُعَارض إِطْلَاق نَص إناطته) أَي ثُبُوت الرُّخص (بِهِ) أَي بِالسَّفرِ من غير تَقْيِيد بذلك، فَاتَ مُوجب إِطْلَاق النَّص ثُبُوت تِلْكَ الرُّخص بِمُجَرَّد السّفر وَإِن تحقق فِي ضمن الْمعْصِيَة، وَمُوجب الْقيَاس الْمَذْكُور عدم ثُبُوتهَا فِي سفر الْمعْصِيَة فيتعارضان، وَلَا يَصح قِيَاس تعَارض مَعَ النَّص (وَيمْنَع) على صِيغَة الْمَجْهُول (تَخْصِيصه ابْتِدَاء بِهِ) أَي بِالْقِيَاسِ. وَقد مر فِي أَوَاخِر مَبْحَث التَّخْصِيص (وَلِأَنَّهُ) أَي الترخيص للْمُضْطَر (لم ينط بِالسَّفرِ) إِجْمَاعًا، بل يُبَاح للمقيم الموثم (فيأكل) الْمُضْطَر (مُقيما عَاصِيا) فَانْتفى الْوَجْه الثَّانِي: يَعْنِي لَو كَانَ رخصَة الْأكل مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الْمعْصِيَة مُطلقًا كَمَا تَقول كَذَلِك رخص الْمُسَافِر لكنه لَيْسَ بمشروط، لِأَن العَاصِي الْمُضْطَر يأكلها غير أَنه لَا يظْهر مدخلية عدم إناطة رخصَة الْأكل بِالسَّفرِ حِينَئِذٍ: اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال الْمَقْصُود بعد تفسيرهم الْآيَة بذلك: لِأَن الِاضْطِرَار إِذا لم يكن مَخْصُوصًا بِالسَّفرِ لَا وَجه لاشْتِرَاط نفي خُصُوص المعصيتين، بل يَنْبَغِي نفي مُطلق الْمعْصِيَة وَالله أعلم (وَمِنْهَا) أَي المكتسبة من نَفسه (الْخَطَأ: أَن يقْصد بِالْفِعْلِ غير الْمحل الَّذِي يقْصد بِهِ الْجِنَايَة) مَرْفُوع بيقصد، وَضمير بِهِ رَاجع إِلَى الْمحل، لما كَانَ كل وَاحِد من الْفِعْل وَالْمحل مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي الْقَصْد، وَلَا يتم بِدُونِهِ صَحَّ تَنْزِيله منزلَة الْآلَة وَإِدْخَال الْبَاء عَلَيْهِ (كالمضمضة تسري إِلَى الْحلق) الْمحل الَّذِي يقْصد بِهِ الْجِنَايَة على الصَّوْم إِنَّمَا هُوَ الْحلق، وَلم يقْصد بالمضمضة، بل قصد بهَا الْفَم وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُسْتَفَاد من الْعبارَة كَون الْخَطَأ عَن قصد غسل الْفَم بالمضمضة، وَهُوَ بِدُونِ السريان إِلَى الْحلق، وَهُوَ غير مُسْتَقِيم فَالْكَلَام مَبْنِيّ على الْمُسَامحَة اعْتِمَادًا على فهم السَّامع، وَالْمرَاد أَنه قصد غير مَحل الْجِنَايَة بِالْفِعْلِ مَعَ إِصَابَته محلهَا (وَالرَّمْي إِلَى صيد فَأصَاب آدَمِيًّا) فَإِن مَحل الْجِنَايَة هُوَ الْآدَمِيّ، وَلم يقْصد بِالرَّمْي، بل قصد غَيره وَهُوَ الصَّيْد (والمؤاخذة بِهِ) أَي بالْخَطَأ (جَائِزَة) عقلا عِنْد أهل السّنة (خلافًا للمعتزلة لِأَنَّهَا) أَي الْمُؤَاخَذَة (بِالْجِنَايَةِ) وَهِي لَا تتَحَقَّق بِدُونِ الْقَصْد (قُلْنَا هِيَ) أَي الْجِنَايَة (عدم التثبت) وَالِاحْتِيَاط، والذنُوب كالسموم تنَاولهَا يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك وَلَو بِلَا قصد (وَلذَا) أَي لجَوَاز الْمُؤَاخَذَة عقلا (سُئِلَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (عدم الْمُؤَاخَذَة بِهِ) أَي بالْخَطَأ. قَالَ تَعَالَى - {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} -: إِذْ الْمُمْتَنع عقلا لَا يسئل عَدمه، فَإِن امْتِنَاعه يُغني عَن السُّؤَال (وَعنهُ) أَي عَن كَون الْخَطَأ جِنَايَة بِاعْتِبَار عدم التثبت (كَانَ) الْخَطَأ (من) الْعَوَارِض (المكتسبة) من نَفسه (غير أَنه تَعَالَى جعله) أَي الْخَطَأ (عذرا فِي إِسْقَاط حَقه)

الصفحة 305