كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

تَعَالَى (إِذا اجْتهد) الْمُجْتَهد، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ " إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا حكم فاجتهد ثمَّ أَخطَأ فَلهُ أجر وَاحِد ". (و) جعله (شُبْهَة) دارئة (فِي الْعُقُوبَات فَلَا يُؤَاخذ بِحَدّ) فِيمَا لَو زفت إِلَيْهِ غير امْرَأَته فَوَطِئَهَا على ظن أَنَّهَا امْرَأَته (وَلَا قصاص) فِيمَا لَو رمى إِلَى إِنْسَان على ظن أَنه صيد فَقتله (دون حُقُوق الْعباد فَوَجَبَ ضَمَان الْمُتْلفَات خطأ) كَمَا لَو رمى إِلَى شَاة إِنْسَان على ظن أَنَّهَا صيد، أَو أكل مَاله على ظن أَنه ملك نَفسه لِأَنَّهُ ضَمَان مَال لَا جَزَاء فعل، فيعتمد عصمَة الْمحل، وَكَونه خاطئا لَا ينافيها (وَصلح) الْخَطَأ (سَببا للتَّخْفِيف فِي الْقَتْل) أَي فِيمَا إِذا قتل خطأ (فَوَجَبت الدِّيَة) على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين، فالتخفيف من حَيْثُ وجود الدِّيَة بدل الْقصاص، وَمن حَيْثُ تحميلها على الْعَاقِلَة، وَمن حَيْثُ الْمهل فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة (ولكونه) أَي الْخَطَأ لَا يَنْفَكّ (عَن تَقْصِير) فِي التثبت (وَجب بِهِ مَا تردد بَين الْعِبَادَة والعقوبة من الْكَفَّارَة) بَيَان للموصول: أَي فِي الْقَتْل الْخَطَأ لكَونهَا جَزَاء قاصرا صَالحا للتردد بَين الْحَظْر وَالْإِبَاحَة، إِذْ أصل الْفِعْل كالرمي مُبَاح، وَترك التثبت مَحْظُور، فَكَانَ قاصرا فِي معنى الْجِنَايَة (وَيَقَع طَلَاقه) أَي الْمُخطئ بِأَن أَرَادَ أَن يَقُول اسقيني، فَجرى على لِسَانه أَنْت طَالِق (خلافًا للشَّافِعِيّ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقع، إِذْ لَا اعْتِبَار للْكَلَام بِدُونِ الْقَصْد الصَّحِيح فَهُوَ كالنائم (لِأَن الْغَفْلَة عَن معنى اللَّفْظ خَفِي) وَفِي الْوُقُوف على قَصده حرج، لِأَنَّهُ أَمر بَاطِن وَله سَبَب ظَاهر، وَهُوَ الْعقل وَالْبُلُوغ (فأقيم) مقَام (تَمْيِيز الْبلُوغ) أَي التَّمْيِيز الَّذِي يكون للبالغ الْعَاقِل، فَإِنَّهُ أكمل من التَّمْيِيز الَّذِي يكون للصَّبِيّ الْعَاقِل (مقَامه) أَي مقَام الْقَصْد نفيا للْحَرج كَمَا فِي السّفر مَعَ الْمَشَقَّة (بِخِلَاف النّوم فَإِنَّهُ) أَي عدم الْقَصْد فِيهِ (ظَاهر) لِأَنَّهُ يمْنَع اسْتِعْمَال الْعقل اخْتِيَارا (فَلَا يُقَام) فِي النَّائِم تَمْيِيز (الْبلُوغ مقَامه) أَي الْقَصْد لعدم الْحَرج (فَفَارَقَ عبارَة النَّائِم عبارَة الْمُخطئ. وَذكرنَا فِي فتح الْقَدِير) شرح الْهِدَايَة (أَن الْوُقُوع) لطلاق الْمُخطئ إِنَّمَا هُوَ (فِي الحكم، وَقد يكون) وُقُوع الطَّلَاق فِي الحكم (مُقْتَضى هَذَا الْوَجْه) المفاد بقوله، لِأَن الْغَفْلَة إِلَى آخِره (أما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَته). وَفِي النَّسَفِيّ: وَلَو كَانَ بالعتاق يدين وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: لَا يجوز الْغَلَط فيهمَا. وَفِي فتح الْقَدِير وَالَّذِي يظْهر من الشَّرْع أَن لَا يَقع بِلَا قصد لفظ الطَّلَاق عِنْد الله تَعَالَى، بِخِلَاف الهازل لِأَنَّهُ مكابر بِاللَّفْظِ، فَيسْتَحق التَّغْلِيظ فَالْحَاصِل أَنه إِذا قصد السَّبَب عَالما بِأَنَّهُ سَبَب رتب الشَّرْع حكمه عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَو لم يردهُ إِلَّا أَنه مَا لَا يحْتَملهُ. وَأما إِذا لم يَقْصِدهُ، أَو لم يدر مَا هُوَ فَيثبت الحكم عَلَيْهِ شرعا وَهُوَ غير رَاض فمما ينبوعنه قَوَاعِد الشَّرْع. وَقد قَالَ تَعَالَى - {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} -: وَفسّر بأمرين: بِأَن يحلف على أَمر يَظُنّهُ كَمَا قَالَ، مَعَ أَنه قَاصد

الصفحة 306