كتاب تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

للسبب عَالم بِحكمِهِ، فألغاه لغلطه فِي ظن الْمَحْلُوف فِيهِ. وَالْآخر أَن يجْرِي على لِسَانه بِلَا قصد للْيَمِين كلا وَالله بلَى وَالله، فَرفع حكمه الدنيوي من الْكَفَّارَة لعدم قَصده إِلَيْهِ، فَهَذَا تشريع لِعِبَادِهِ أَن لَا يرتبوا الْأَحْكَام على الْأَشْيَاء الَّتِي لم تقصد، وَكَيف وَلَا فرق بَينه وَبَين النَّائِم عِنْد الْعَلِيم الْخَبِير من حَيْثُ لَا قصد لَهُ إِلَى اللَّفْظ وَلَا حكمه، وَإِنَّمَا لَا يصدقهُ بِهِ غير الْعَلِيم الْخَبِير، وَهُوَ القَاضِي. وَفِي الْحَاوِي: من أَرَادَ أَن يَقُول زَيْنَب طَالِق فَجرى على لِسَانه عمْرَة، فِي الْقَضَاء تطلق الَّتِي سمي، وَفِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى لَا تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا، أما الَّتِي سمي فَلِأَنَّهُ لم يردهَا، وَأما غَيرهَا فَلِأَنَّهَا لَو طلقت طلقت بِالنِّيَّةِ (وَكَذَا قَالُوا ينْعَقد بَيْعه) أَي الْمُخطئ بِأَن أَرَادَ أَن يَقُول سُبْحَانَ الله، فَجرى على لِسَانه بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلف، وَقبل الآخر، وَصدقه فِي أَن البيع خطأ (فَاسِدا وَلَا رِوَايَة فِيهِ) عَن أَصْحَابنَا، وَلَكِن يجب هَذَا (للاختيار فِي أَصله) أَي فِي أصل هَذَا الْكَلَام وَإِن لم يتَعَلَّق اخْتِيَاره بِمَعْنَاهُ (وَعدم الرِّضَا) بِمَعْنَاهُ فَينْعَقد لاختياره فِي الأَصْل، وَيفْسد لعدم الرِّضَا كَبيع الْمُكْره، فَيملك الْبَدَل بِالْقَبْضِ (وَالْوَجْه أَنه) أَي الْمُخطئ (فَوق الهازل) فِيمَا يَقْتَضِي عدم لُزُوم العقد (إِذْ لَا قصد) للمخطئ (فِي خُصُوص اللَّفْظ وَلَا) فِي (حكمه) والهازل مُخْتَار رَاض بِخُصُوص اللَّفْظ غير رَاض بِحكمِهِ، فَأَقل الْأَمر أَن يكون كالهازل، فَلَا يملك الْمَبِيع بِالْقَبْضِ (وَأما مَا) هُوَ مكتسب (من غَيره فالإكراه) وَهُوَ (حمل الْغَيْر على مَا لَا يرضاه) من قَول أَو فعل (وَهُوَ) أَي الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء (ملجئ) للمكره بِفَتْحِهَا بإيعاد (بِمَا) أَي بمؤلم (يفوت النَّفس أَو الْعُضْو) وَلَو أُنْمُلَة (بِغَلَبَة ظَنّه) مُتَعَلق بملجئ: إِذْ الالجاء لَا يحصل بِدُونِ الظَّن الْغَالِب للمكره، إِذْ حَقِيقَته اضطرار الْفَاعِل إِلَى مُبَاشرَة الْمُكْره عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يغلب على ظَنّه تَفْوِيت أَحدهمَا (لَا) يكون إِكْرَاها، وَيكون مُجَرّد تهديد وتخويف من غير تَحْقِيق (فَيفْسد الِاخْتِيَار) وَلَا يعدمه بِالْكُلِّيَّةِ، إِذْ حَقِيقَته الْقَصْد إِلَى مَقْدُور مُتَرَدّد بَين الْوُجُود والعدم بترجيح أحد جانبيه على الآخر، فَإِن اسْتَقل الْفَاعِل فِي قَصده فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد (ويعدم الرِّضَا، وَغَيره) أَي وَغير ملجئ لكَون الْحمل على الْمُكْره عَلَيْهِ (بِضَرْب لَا يُفْضِي إِلَى تلف عُضْو وَحبس فَإِنَّمَا يعْدم الرِّضَا) خَاصَّة (لتمكنه) أَي الْمُكْره (من الصَّبْر) على الْمُكْره بِهِ (فَلَا يُفْسِدهُ) أَي لَا يفْسد هَذَا الْقسم من الْإِكْرَاه الِاخْتِيَار (وَأما) تهديده (بِحَبْس نَحْو ابْنه) وَأَبِيهِ، وَأمه، وَزَوجته، وكل ذِي رحم محرم كأخته وأخيه، فَإِن الْقَرَابَة المتأبدة بِالْحُرْمَةِ بِمَنْزِلَة الولاد (فَقِيَاس واستحسان فِي أَنه إِكْرَاه) الْقيَاس أَنه لَيْسَ بإكراه لِئَلَّا يلْحقهُ ضَرَر بذلك، وَالِاسْتِحْسَان أَنه إِكْرَاه، لِأَنَّهُ يلْحقهُ بحسبهم من الْحزن والهم مَا يلْحق بِحَبْس نَفسه أَو أَكثر، (وَهُوَ) أَي الْإِكْرَاه (مُطلقًا) ملجئا كَانَ أَو غير ملجئ (لَا يُنَافِي أَهْلِيَّة الْوُجُوب) على الْمُكْره (للذمة)

الصفحة 307